أوضح الدكتور عبدالله حميد الدين أن التحولات الاجتماعية والثقافية التي شهدتها المجتمعات المسلمة خلال القرن الماضي، وما خلفته من تأثير على الصورة الراهنة للتدين في الواقع المحلي ومؤشراتها المستقبلية، حصلت في جانبين الأول «في الخطاب والممارسات»، «التي غالباً ما يتركز عندها جدلنا حول التحول الديني، والثاني هو «التحول الأعمق» المرتبط بنوع العلاقة مع التديّن»، مبيناً أهمية تشخيص ووصف هذا التحول، «لأنه يُفيد في معرفة العوامل التي تتفاعل لصناعة شكل التحول في هذه العلاقة، فهي إما أن تؤدي إلى التطرف أو إلى ترك الدين أو إلى مراجعات - جذرية أو سطحية - للدين أو إلى تشكيل تديّن انتقائي، وغيرها من الأشكال المحتملة التي يصعب حصرها». وقال حميد الدين في محاضرة نظمها منتدى الثلثاء الثقافي وأدارها زكي البحارنة مساء أول من أمس، إن فهم ظاهرة التديّن والتحولات «تعتمد على متابعة الجدالات التي تدور بين «العوام» من المسلمين، وليس على متابعة قراءات المفكرين، ولذلك سببين أساسين الأول لوجود هوة بين ما يقوله المفكرون ورجال الدين وبين ما يقوله غير المثقفين، والثاني والأهم، لكون التديّن في المجتمع يتشكل بواسطة مجموعة من العوامل الاجتماعية والثقافية والنفسية، وما يكتبه المفكرون ورجال الدين ليس إلا جزءاً صغيراً من العوامل الثقافية»، مبدياً أسفه من اقتصار دارسي الإسلام على التحولات المظهرية بين رافض أو مؤيد لهذه الفكرة أو تلك الممارسة من خلال كتابات المختصين في الدين «باعتبارهم ممثلي الحال المعرفية الإسلامية، في حين أن التديّن بالنسبة لغالب أفراد المجتمع ليس قراراً واعياً بقدر ما هو انسجام مع منظومة ثقافية واجتماعية»، مستدركاً أنه يُمكن اعتبار بشيء من الحذر أن التدين قرار فردي وواعٍ فقط بالنسبة لمن يكتب أو يُناقش في التديَّن للنص الديني، ولكن في المقابل لا تمكن دراسة المجتمعات المسلمة من خلال دراسة مفكريها ورجال دينها». وتطرق المحاضر، الذي أصدر عدداً من الكتب منها «الكينونة المتناغمة» و«الهوية في بنية العلاقات الدولية»، إللحديث عن التحول على المستوى الاجتماعي، «يُمكن القول بشيء من التجاوز بحصول نوعين أٔساسين من التحول العميق في العلاقة مع التدين. الأول هو تحول التديّن إلى هوية، والثاني ظهور التوتر بين المبادئ الدينية وبين الوعي الفردي»، واصفاً إياه بأنه «ظاهرة كونية» وأنه نتيجة للتحديث الذي شهدته المجتمعات كافة. وأضاف أن الدراسات الدينية التي تناولت الحداثة في المجتمعات المسلمة كانت معيارية وركزت على «فقه الحداثة والتحديث» والموقف منها فقط، أما المجتمعات الغربية أضافت إلى المعيارية اهتماماً بدراسة وصفية عن أثر التحولات في البنى الاجتماعية والمصالح الفردية والقيم الجديدة على التدين، واضعة أجوبة تفسيرية عقلية وفلسفية لهذا التأثير تتفق جميعاً على حدوث تحول عميق وشامل في العلاقة مع الدين وصفه المحاضر بالتوتر بين المبادئ الدينية وبين الوعي الفردي، مؤكداً عدم وجود دراسات كافية عن هذه العوامل في المجتمعات المسلمة. وفي مقاربته لمسألة تحولات التديّن في السعودية، أوضح حميد الدين، الذي يدير مركز دربة للتحول، أنها مشابهة للعوامل التي أثرت في التدين في مجتمعات أخرى، مشيراً إلى تمايزات مهمة في طريقة تمظهر التدين في السعودية، إذ إنه بسبب الضغوط الاجتماعية فإن الفرد السعودي قد يتغيّر بشكل فردي ولكن يرفض التغيير بشكل علني أو على المستوى الاجتماعي، مؤكداً أنه لا توجد دراسات كافية لفهم هذه الظاهرة، مبدياً تفسيره لهذه الازدواجية بأن المجتمع السعودي عامة لا زال يرى أن الدين هو الضامن الأساس لتماسك النسيج الاجتماعي للسعوديين أو الهوية، وهذا قد يفسر ردود الفعل القاسية التي يتخذها بعض الأفراد - حتى غير المتدينين - ضد من يُشهرون مخالفات دينية. وأوضح أنه قد تستمر هذه الظاهرة إلى حين تُصبح الهوية الوطنية مصدر تماسك النسيج الاجتماعي. وعرض الباحث في الواقع السياسي والاجتماعي وقضايا الإسلام السياسي لمؤشرات تعكس حصول تحولات متعددة على المستوى الظاهري، كبعض التغريدات المنتقدة لبعض المظاهر الدينية السائدة، وأخرى تؤكد مرجعية الفرد في معرفة القضايا الدينية وانتقاد فكرة سد الذرائع، وانتقاد التقلبات في الفتاوى. ومن الشواهد أيضاً، وجود مقارنات بين علماء الدين وعلماء الطبيعة، والجدل حول فقه المرأة وانتقاد بعض ما يُعد ثابتاً فيه، وانتقاد التركيز على قضايا المرأة وإهمال القضايا الاجتماعية والاقتصادية الكبرى كالفقر والفساد والبطالة، وكذا انتقاد فكرة احتكار الجنة على مذهب واحد أو حصرها للمسلمين. ولفت إلى أن هذه التغريدات لم تُكتب انطلاقاً من موقف علمي وإنما من مواقف شخصية ما تعكس توتراً بين نص ديني وطريقة تفكير شخصية، مدللاً على ذلك بأن بعض من يناقش القضايا الدينية لا يميز بين القرآن والحديث، مؤكداً أن ما ذكر من التحولات لا تعني بالضرورة رفض التدين أو الإسلام وإنما هي مؤشر لتحول في العلاقة وفي المعيار. وصاحبت المحاضرة مشاركة الشاب هادي المرزوق الذي عرف بمبادرة «مبادرون» ببلدة الأوجام التي تأسست عام 1422ه وتهتم بتنمية مواهب الطلبة في النواحي التربوية والرياضية والتعليمية والترفيهية ضمن برامج ثابتة وأخرى متغيرة كعيادة المرضى وتحسين المرافق العامة وتعلم فنون الطبخ وحفظ النباتات وصيانة الهواتف النقالة، ويضم البرنامج حالياً 50 كادراً شبابياً متطوعاً ويستقبل سنوياً 300 شاب من مختلف المراحل الدراسية. كما تضمنت الفعاليات المصاحبة مشاركة الفنانة أنفال السادة بمعرضها التشكيلي، إذ تحدثت عن قيمة الفن، روحاً ومشاعر، وعن تجربتها الفنية التي تتركز حول مكانة المرأة ودورها ومسؤولياتها الحياتية، وقدمت عرضاً بمشاركاتها في المعارض الفنية والتي حصلت من خلالها على جوائز وشهادات تقديرية.