تكمن السمة الأبرز لحملة انتخابات الرئاسة الفرنسية، التي تُنظم دورتها الأولى بعد غد، في أنها شديدة الاختلاف عن الحملات السابقة، لأنها تتيح للمرة الأولى قلب صفحة تناوب اليمين واليسار على الحكم، أو حتى قلب الطاولة على الجميع. ويتنافس في السباق 11 مرشحاً، يمكن القول إن الأكثر شعبية منهم اثنين هما من نوعية جديدة ومن خارج اليمين واليسار اللذين حكما فرنسا في العقود الماضية، وهما مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن ومرشح الوسط الجديد إيمانويل ماكرون. لوبن وريثة والدها جان ماري لوبن، الرئيس السابق لحزب «الجبهة الوطنية»، والتي نجحت في تلطيف المواقف المتطرفة لوالدها، واستغلّت أزمات اقتصادية واجتماعية متراكمة في البلاد، لكسب ودّ الفئات المهمشة. كما استغلّت الإرهاب وتدفّق اللاجئين إلى أوروبا، لتأجيج مخاوف فرنسيين من أخطار تهدّد هويتهم ووطنهم. أما ماكرون (39 سنة) فهو مستشار سابق للرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند ووزير مال سابق في حكومته، استقال من منصبه ليؤسّس حركته «إلى الأمام»، مراهناً على أن الظرف السياسي بات مواتياً لبروز طرف جديد يأخذ من اليسار واليمين، اللذين فقدا جاذبيّتهما لدى الرأي العام، أفضلَ ما لديهما من أفكار ومواقف. وأظهرت استطلاعات رأي تقدُّمَ لوبن وماكرون على منافسيهما، مرجّحة تأهّلهما للدورة الثانية المرتقبة في 7 أيار (مايو) المقبل. لكن الاستطلاعات تشير أيضاً إلى أن الأمور أكثر تعقيداً، إذ إن التنافس في هذه الحملة الرئاسية يبدو ليس محسوماً كالعادة بين مرشحَين أساسيَين، بل بين 4 مرشحين: مرشح اليمين فرنسوا فيون ومرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون، إضافة إلى لوبن وماكرون. وكان فيون حقّق مفاجأة لافتة بإحرازه فوزاً ساحقاً خلال الانتخابات التمهيدية لحزب «الجمهوريين»، متفوقاً على رئيس الحكومة السابق ألان جوبيه. وكان يتأهّب لتكرار المفاجأة في انتخابات الرئاسة، لولا دخول ملفات فساد على خط حملته، ما دفع القضاء إلى ملاحقته، وأدى إلى نفور جزء من ناخبي اليمين منه، وإلى شرخ عميق في صفوف حزبه، نجح قياديّو الحزب في رأبه شكلياً قبل أيام. واعتبر فيون أن موقف ماكرون «ضبابي في الحرب على التطرف الإسلامي، مثل كل شيء آخر». أما ميلانشون فحقّق مفاجأة من خلال صعوده غير المتوقّع في استطلاعات الرأي، بفضل حملة بالغة الجرأة من حيث الشكل، إذ اعتمد أحدث وسائل التكنولوجيا الحديثة، وأيضاً بفضل بلاغته الكلامية المميزة، فسحق مرشّح الحزب الاشتراكي الحاكم بونوا هامون، الذي بات يحتل المرتبة الخامسة بين المتنافسين. وتُظهر الاستطلاعات تقارباً في نسب التأييد للمرشحين الأربعة، إذ تتراوح شعبية لوبن وماكرون بين 23 و24 في المئة، وشعبية فيون وميلانشون بين 19 و20 في المئة، في ظل هامش خطأ يُقدّر ب2.5 في المئة، علماً أن نسبة المترددين تُقدر بثلث الناخبين. وتعني هذه الأرقام أن الدورة الثانية قد يخوضها أيّ اثنين من المرشحين الأربعة، ما يجعل التعبئة على أشدّها لدى ناخبيهم، إذ إن الساعات الفاصلة عن الدورة الأولى حاسمة، وعلى المرشحين استغلالها لتحسين فرصهم. وتبدو الصورة التي ستؤول إليها الدورة الأولى غير واضحة، لأن هذه الانتخابات ليست مرتبطة، مثل سابقاتها، بالانتماء الأيديولوجي للناخبين، بل بمزاجهم. ويبدو ماكرون في هذا الإطار مرشحاً طامحاً إلى إصلاح هادئ، وساعياً إلى التوفيق بين أضداد، على رغم افتقاره إلى الخبرة، ما يثير شكوكاً في قدرته على مواجهة أزمات داخلية ودولية معقدة. ويجمع لوبن وميلانشون عداءٌ معلن للاتحاد الأوروبي، وإعلانهما أنهما يمثلان المهمشين، كلّ على طريقته. إذ تحمِّل مرشّحة اليمين المتطرف الهجرةَ والمسلمين وزرَ كل مشكلات فرنسا، فيما يبرّرها مرشّح اليسار الراديكالي بجشع الأثرياء ورأس المال، وهما في موقع مَن سيقلب الطاولة على رأس الجميع. وحده فيون يمثّل نوعاً من الثبات، بفعل انتمائه السياسي التقليدي، لكنه يَعِد الفرنسيين بإصلاحات وتضحيات بالغة القسوة، لا يسعه تحمّلها شخصياً، بعدما كشفت فضائح متلاحقة ميله إلى الكسب اليسير. إلى ذلك (أ ب)، أعلنت الشرطة الفرنسية سرقة جهاز كومبيوتر وشارة شرطة، من سيارة يستخدمها مساعدون لفيون.