ودع لبنان الرسمي والسياسي والحزبي والمجتمع المدني أحد أبرز رجالات «الاستقلال الثاني» النائب السابق سمير فرنجية في مأتم حاشد ومؤثر، مستعيداً مشهد وداع النائب السابق نسيب لحود وقبله رئيس «الكتلة الوطنية» الوزير السابق ريمون إده. وغصت كنيسة مار مارون في محلة الجميزة في بيروت بالشخصيات. وجمع تشييعه، وفي شكل غير مسبوق، أحزاباً سياسية وزعامات متناقضة ومتباينة. ومثل وزير الثقافة غطاس خوري رئيس الجمهورية ميشال عون، ومثل النائب أيمن شقير رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ومثلت النائب بهية الحريري رئيس الحكومة سعد الحريري. وكلف البطريرك الماروني بشارة الراعي مطران أنطلياس السابق يوسف بشارة أن يمثله. والأخير كان كلفه الكاردينال نصرالله صفير حين كان بطريركاً رعاية «لقاء قرنة شهوان» الذي كان فرنجية من مؤسسيه. وشارك في التشييع الرؤساء أمين الجميل وميشال سليمان وحسين الحسيني ورئيس «اللقاء الديموقراطي» النيابي وليد جنبلاط ورئيس «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية، وشارك عدد كبير من النواب والوزراء الحاليين والسابقين ورجال دين من مختلف الطوائف والمذاهب، وديبلوماسيون أبرزهم السفير الفرنسي إيمانويل بون والسفير البابوي غبريال كاتشيا، الى جانب شخصيات ومناصرين لقوى 14 آذار. وتم نقل جثمان الراحل إلى مسقط رأسه في إهدن حيث ووري الثرى في مدفن العائلة. وتلا النائب السابق فارس سعيد فصلاً من رسالة القديس يوحنا «وبارك يا رب». وترأس الذبيحة المطران بولس مطر. وتلا أمين سر البطريركية المارونية الأب يوسف الورشا الرقيم البطريركي. وقال: «مع كل اللبنانيين وسواهم تلقينا بالأسف الشديد حلول الساعة المرة التي حاربها مع أسرته ومحبيه بين لبنان وفرنسا منذ 33 سنة، لكنها حانت في أقدس وقت من نور السلام المنبثق من قيامة المسيح المنتصر على الخطيئة والشر والموت فانعكست فيها أضواء شخصيته، إنه ابن إهدن- زغرتا المدينة المارونية العريقة التي أعطت الكنيسة ولبنان عدداً من الوجوه المشرقة، وهو سليل بيت سياسي نذر نفسه لخدمة الشأن العام، والده المرحوم حميد بك فرنجية النائب في البرلمان اللبناني لأكثر من دورة، والوزير المؤتمن على حقيبة الخارجية والمغتربين في أكثر من حكومة والزعيم الماروني اللبناني ذو البعد العربي الذي رأس الوفد اللبناني – السوري في العام 1946 للمفاوضات على جلاء جيش الانتداب الفرنسي عن لبنان وسورية معاً». وأضاف: «في هذا البيت الكبير تربى على القيم الإنسانية والوطنية وعلى العلم مع الشقيقين والشقيقتين الذين نسج معهم روابط الأخوة الصادقة، على هذا الإرث الوطني الغني تفتحت عينا المرحوم سمير وعقله وقلبه، وهو على مقاعد الدراسة لدى الآباء اليسوعيين في كلية السيدة في الجمهور، ثم في جامعة القديس يوسف متخرجاً في كلية الحقوق. وتربى على القيم الإنسانية والعلمية، بفضل اتزان فكره السياسي دافع عن اليسار وكان من أشد منتقديه في لبنان، ودافع عن القضية الفلسطينية وكان من أشد منتقدي تجربة الفلسطينيين في لبنان، دافع عن الموارنة وكان من أشد المنتقدين للمارونية السياسية». وكان رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع وجه رسالة وداعية إلى «صديقي سمير فرنجية، الذي عرفتك في الحرب وبعدها من بعيد، كنت أثمن فيك نضالك من وحي قناعاتك لا إرثك الشخصي، وحرصك الدائم على الحوار وبحثك المتواصل عن المساحات المشتركة التي تخرج لبنان من أزماته وتعيده كما نحب وتحب: وطن الرسالة. كنت متابعاً لحركتك ومواقفك من وراء قضبان الزنزانة، ولا يهم حجم تلك الزنزانة، أكانت صغيرة أم كبيرة على مساحة لبنان، إنما المهم أنها جمعتنا في قضية واحدة تبلورت معالمها مع نداء بطريركي تاريخي ولقاء سياسي (لقاء قرنة شهوان) لعب دوراً أساسياً في إخراج الجيش السوري من لبنان. وبعد أن استعاد لبنان حريته منتفضاً على الاحتلال السوري ومستعيداً استقلاله التقينا في 14 آذار، فعرفتك عن قرب مناضلاً شرساً لا يتعب ولا يكل دفاعاً عن قناعاته وأفكاره، وكنت رمزاً من رموز هذه الحركة التي كل همها أن يستعيد لبنان دوره الحضاري كمساحة تلاق وحوار وتفاعل تجسيداً للعيش معاً الذي شكل قضيتك الأولى والأخيرة، ولو كانت مقاربتانا لطرق الوصول إليها مختلفتين. سنفتقدك ونفتقد مبادراتك وعصبيتك التي تعكس صدق شخصيتك، ودورك وحضورك وألمعيتك. أمثالك يا صديقي لا يموتون، بل يعبرون فقط من ضفة إلى ضفة تاركين خلفهم إرثاً من الفكر والثقافة والحوار دفاعاً عن الفكرة اللبنانية. وداعاً».