كشفت السلطات الأمنية في مصر هوية انتحاري فجر نفسه بحزام ناسف أمام باب كنيسة «مار مرقس» في مدينة الإسكندرية، لافتة إلى أن مجموعة إرهابية واحدة مسؤولة عن الهجمات التي استهدفت الكنائس في الآونة الأخيرة، وهي التي كانت تُخطط لاستهداف مزيد من دور العبادة المسيحية في جنوب مصر. وقالت مصادر أمنية ل «الحياة»، إن أفراد تلك الخلية على صلة تعاون بجماعة «الإخوان المسلمين» وتنظيم «داعش» الإرهابي في سيناء. وأفيد بأن قوات الأمن حددت هوية الانتحاري بعد أخذ عينة من البصمة الوراثية لشقيقه ووالدته، وتم توقيف زوجته وأفراد من أسرته يوم الهجوم نفسه بعدما أشارت المعلومات الأولية إلى تورطه في الحادث، وهي معلومات أثبتتها تحليلات البصمة الوراثية. وقُتل الأحد الماضي 28 مسيحياً في هجوم بحزام ناسف نفذه انتحاري تسلل إلى قاعة صلاة كنيسة «مار جرجس»، كبرى كنائس الغربية، وجُرح 77 آخرون، فيما قُتل 17 شخصاً بينهم 7 ضباط وجنود في الشرطة، في تفجير انتحاري بحزام ناسف أمام بوابة الكنيسة المرقسية، عندما لم يستطع التسلل إلى الكنيسة التي كان يرأس بابا الأقباط تواضروس الثاني قداس أحد الشعانين فيها، وجُرح 48 من المارة ورواد الكنيسة. وفي كانون الأول (ديسمبر) الماضي قُتل أكثر من 25 شخصاً في تفجير انتحاري استهدف الكنيسة البطرسية في قلب القاهرة. وتبنى تنظيم «داعش» الإرهابي التفجيرات الثلاثة. وأعلنت وزارة الداخلية قبل أيام إحباط مخطط للتنظيم لشن مزيد من الهجمات على كنائس وشخصيات قبطية في جنوب مصر، وقتلت 7 من أعضاء خلية كانت تعتزم تنفيذ تلك الهجمات، في مداهمة لمنطقة جبلية في أسيوط في الصعيد. وقالت وزارة الداخلية في بيان مساء أول من أمس، إنه تمت مضاهاة البصمة الوراثية لأشلاء انتحاريي الاسكندرية وطنطا، فأمكن تحديد هوية منفذ هجوم الكنيسة المرقسية في الإسكندرية، وهو محمود حسن مبارك عبدالله (30 سنة) من سكان محافظة السويس، ويتحدر من محافظة قنا في الصعيد، ويعمل في شركة نفط، وهو مطلوب أمنياً. وأشارت الوزارة إلى أن الانتحاري مرتبط ب «بؤرة إرهابية» يقودها زوج شقيقته المتهم الفار عمرو سعد عباس (31 سنة) من سكان محافظة قنا، وهو اضطلع بتشكيل خلايا عنقودية عدة يعتنق عناصرها «الأفكار التكفيرية الإرهابية»، ويقتنع بعض أفرادها ب «الأسلوب الانتحاري لاستهداف مقومات الدولة ومنشآتها وأجهزتها الأمنية ودور العبادة المسيحية». وأوضحت وزارة الداخلية أن إحدى الخلايا التابعة لتلك البؤرة كانت نفذت هجوم الكنيسة البطرسية بهجوم انتحاري، بينما اضطلعت خلية أخرى بالهجوم على مكمن النقب في الوادي الجديد. وكان حوالى 30 مُسلحاً هاجموا في كانون الثاني (يناير) الماضي مكمناً للشرطة على طريق الوادي الجديد– أسيوط في جنوب غربي مصر، فقتلوا 8 شرطيين بينهم ضابط وجرحوا 3 آخرين. وهاجمت قوات الشرطة في أعقابه وكراً لمسلحين وقتلت 2 منهم. وأشارت وزارة الداخلية إلى أن البؤرة الإرهابية نفسها تتبعها الخلية التي تمت مهاجمتها في صحراء أسيوط قبل أيام، وقالت الداخلية إنها تتبع «داعش»، وقتلت 7 من أبرز كوادره، وضبطت كميات كبيرة من السلاح والذخيرة والمتفجرات. وأعلنت وزارة الداخلية أسماء وصور وبيانات 19 متهماً بالإرهاب والتورط في تلك الهجمات والانخراط في تلك البؤرة الإرهابية، وحددت مكافأة مالية قدرها 100 ألف جنيه (الدولار يعادل نحو 18 جنيهاً) لمن يُدلي بمعلومات تساعد أجهزة الأمن في توقيفهم، وهو نهج غير معتاد في عمل الأجهزة الأمنية. والمتهمون الفارون أبرزهم عمرو سعد قائد تلك البؤرة، ومهاب مصطفى السيد المتهم بالتخطيط لهجوم الكنيسة البطرسية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. ووفق المعلومات الأمنية فإنه مرتبط بجماعة «الإخوان المسلمين»، وعلى علاقة بقيادات جبهة القيادي في الجماعة محمد كمال، الذي قتل العام الماضي في مواجهة مع الأمن. وقالت وزارة الداخلية إن المتهم الفار سافر إلى قطر في العام 2015 وتلقى هناك تكليفات بتنفيذ عمليات إرهابية بدعم مالي ولوجيستي كامل من الجماعة، وفي سبيل ذلك تواصل مع كوادر «إرهابية» في تنظيم «أنصار بيت المقدس» في شمال سيناء. وغالبية المتهمين الفارين من محافظة قنا، وألقت الشرطة القبض على واحد منهم أول من أمس. ووفق معلومات «الحياة»، فإن الانتحاري محمود حسن مبارك سبق توقيفه في العام 2013، لمشاركته في تظاهرات مناصرة لجماعة «الإخوان المسلمين» في مدينة السويس، وأطلق بعدها لعدم ثبوت تهم ضده، وبعدها انضم إلى تنظيم «داعش» وأبلغ أسرته أنه سافر للعمل، لكنه كان يتردد على معسكرات التنظيم في الخارج أو سيناء. والانتحاري تنقلت أسرته بين مقرات عدة للإقامة، وكان يتردد عليها من فترة لأخرى، كما أن قائد الخلية عمرو سعد أيضاً من المطلوبين أمنياً وفار منذ سنوات، وغير مستبعد أن يكون قد سافر في مرحلة ما إلى سورية. وعدد كبير من المطلوبين الفارين كانوا ينخرطون في حركة «حازمون» المناصرة للقيادي السلفي الموقوف حازم صلاح أبو إسماعيل، الذي كان يجاهر ويفاخر بانضمام شباب مصريين موالين له إلى «الجهاد في سورية». وقال القيادي السابق في الجماعة الإسلامية في مصر ناجح إبراهيم ل «الحياة»: «التنظيمات الموجودة نفذت سيناريو واحد. أفرادها ذهبوا إلى سورية عبر تركيا وارتبطت مع بعضها في شكل مباشر أو غير مباشر»، لافتاً إلى أن تنظيم «داعش» يلجأ الآن إلى «تفجير الأهداف الرخوة بعد أن تم تأمين الأهداف الصلبة (المنشآت الأمنية والحيوية) في شكل جيد ومبتكر». وتوقع إبراهيم استمرار التنظيم في سيناريو استهداف الكنائس، لأن تنظيم «داعش» طالما نجح في عملية يُكررها أكثر من مرة، وهؤلاء ثبت أنهم «يرتبطون تنظيمياً. هم من سكان منطقة واحدة، وربما سافروا إلى معسكرات «داعش» في سورية سوياً، وكونوا علاقات مع أعضاء التنظيم في الخارج، واستمرار التواصل مع التنظيم عبر الإنترنت ليس صعباً». وقال إبراهيم: «الكشف عن تلك البؤرة يعني أن الخلايا الداعشية وصلت إلى الصعيد، وكلها مجموعات جديدة. هم جاؤوا من أماكن بعيدة لتفجير أهداف محددة، وهنا تظهر «البصمة الداعشية»، فإذا نفذ التنظيم عملية ونجحت يُكرر النهج عدة مرات، مثل عمليات الدهس في أوروبا»، مضيفاً: «الخطير في هذه المسألة أن «الذئاب المنفردة» التي تؤيد فكر «داعش» ولا ترتبط به تنظيمياً غالباً تتبع تلك «البصمة الداعشية»، ما يعني أن هؤلاء التكفيريين يُمكن أن يستهدفوا الكنائس ولو بوسائل بدائية وحتى من دون توجيهات، وهذا الأمر يتطلب أسلوباً مبتكراً في تأمين الكنائس، خصوصاً الكنائس الصغرى في القرى والمدن». ميدانياً، تحولت مداخل ومخارج محافظة قنا إلى ثكنات عسكرية، في محاولة لحصار العناصر الفارة التي تتهمها أجهزة الأمن بالتورط في الهجمات. وانتشرت دوريات ثابتة ومتحركة بطول الطرق التي تربط محافظتي البحر الأحمر والأقصر، خصوصاً المدقات الجبلية عند سلسلة جبال البحر الأحمر، وتم فرض مزيد من الإجراءات والأطواق الأمنية في محيط الكنائس والأديرة المسيحية. وتجري عملية تمشيط لمختلف المدقات الجبلية والجزر النيلية والطرق الوعرة المؤدية إلى المنطقة الحدودية مع السودان، وأيضاً نقاط التماس مع الصحراء الغربية ومحافظة الوادي الجديد، وما تحويه جبالها من مدقات تربط بين مصر وليبيا والسودان، لعرقلة أية محاولات من تلك العناصر للفرار إلى خارج مصر. وداهمت قوات مشتركة من الأمن الوطني والأمن العام والأمن المركزي منازل المطلوبين وأشخاصاً قريبين منهم في قرى عدة في قنا، وتم توزيع صور المشبوهين على كل المكامن المنتشرة في الصعيد.