سقطت في قطاع غزة أمس، الضحية الأولى للحسوم الكبيرة الذي فرضتها حكومة التوافق الوطني الفلسطينية على رواتب موظفيها في القطاع الذي عمه الغضب والسخط لليوم الثاني على التوالي، فيما استقالت أقاليم حركة «فتح» كافة، ونزل مئات الموظفين إلى الشارع احتجاجاً. وقالت مصادر محلية و «فتحاوية» إن العقيد شريف قنديل، أحد موظفي جهاز الأمن الوقائي الذي حُل عقب سيطرة حركة «حماس» على القطاع عام 2007، توفي إثر تعرضه إلى أزمة قلبية. وأشارت مصادر مقربة من قنديل إلى أنه أصيب بجلطة قلبية بعدما ذهب إلى البنك لسحب راتبه، إلا أنه لم يجد في حسابه أي رصيد، مضيفة أنه عاد أول من أمس إلى بيته منفعلاً وغاضباً بشدة، ونقل إلى أحد المستشفيات، إلا أن جلطة قلبية حادة عاجلته وأدت إلى وفاته. وأضافت المصادر أن أكثر من 30 موظفاً وصلوا إلى مستشفيات مختلفة في القطاع نتيجة إصابتهم بأزمات قلبية أو انهيارات عصبية نتيجة حسم ما يتراوح بين 30 إلى 50 في المئة من رواتب موظفي السلطة الفلسطينية في القطاع، من دون حسم أي مبلغ من زملائهم في الضفة الغربية. ووصف الموظفون الحسوم على رواتبهم ب «الجريمة». وقال موظف في أحد أجهزة التابعة للسلطة في غزة ل «الحياة» إنه يتلقى راتباً مقداره ستة آلاف شيكل، يحسم البنك ألفين منها في مقابل قرض حصل عليه في وقت سابق، وفوجئ بحسم الحكومة ألفي شيكل، وتبقى ألفان، من بينها ألف تذهب بدل أجور لمعلمين خاصين يدرسون ابنه الطالب في الثانوية العامة، ويبقى ألف شيكل للطعام والشراب وبدل الخدمات. وبدا الرجل غاضباً جداً، متسائلاً كيف ستعيش أسرة مؤلفة من ثمانية أفراد بألف شيكل خلال شهر كامل. وقالت موظفة ل «الحياة» إنها لم تجد في رصيد حسابها سوى 800 شيكل من أصل نحو ثلاثة آلاف، فيما لم يجد زوجها الموظف الحكومي أيضاً سوى 500 شيكل. وانتقدت «الحملة الشعبية غزة موحدة ضد الاحتلال والحصار والتهميش» المعروفة اختصاراً باسم «إنقاذ غزة» الحسوم التي «تمت تحت جنح الظلام من دون سابق إنذار». واعتبرت الحملة التي انطلقت قبل أيام قليلة في غزة، أن هذه الخطوة «تتجاوز في أبعادها قضايا الموظفين وحقوقهم في تدفق رواتبهم في شكل كامل وآمن، فهي تشكل مقدمة عملية لمشروع سياسي سيؤدي حتماً الى تعزيز الانقسام الذي نعيشه، وما زلنا نعاني من إفرازاته السيئة، وعلى رأسها تهميش قطاع غزة وحصاره». وطالب المنسق العام للحملة عبدالكريم عاشور خلال مؤتمر صحافي أمس أمام مقر مجلس الوزارة في غزة، ب «التراجع الفوري عن هذا القرار غير القانوني الجائر الذي يمثل حرباً ضد الموظفين في غزة في مصادر عيشهم ورزقهم التي كفلتها القوانين كافة». وحض عاشور القوى السياسية والاجتماعية كافة على «رص صفوفها لمواجهة مخاطر هذا القرار الذي يسعى إلى مزيد من التهميش لقطاع غزة وتعزيز الانقسام البغيض، ليصبح انفصالاً سعت إليه أطراف دولية وإقليمية منذ فترة طويلة». كما طالب ب»توحيد قوى المجتمع الفلسطيني، سواء التي أصابها الضرر في شكل مباشر أو غير مباشر من هذا القرار، لتنظيم خطواتها الاحتجاجية ورسم برنامج عمل وطني جماعي لإفشال هذا المشروع الساعي إلى فصل قطاع غزة عن الجسم الوطني». ودعا الهيئات الدولية والإقليمية والعربية، خصوصاً الجامعة العربية، إلى «ممارسة الضغط على كل الجهات لإنهاء الانقسام ورفع الحصار المفروض على القطاع». ووصف رئيس نقابة الموظفين العموميين في السلطة الفلسطينية عارف أبو جراد خلال المؤتمر الصحافي الحسوم بأنها «جريمة»، وقال إن النقابة وضعت برنامجاً احتجاجياً ضد القرار، مضيفاً أن هناك خيمة اعتصام نُصبت في حديقة الجندي المجهول اعتباراً من أمس. وأشار إلى أن الاحتجاجات الفعلية ستنطلق غداً، ثم ستتدحرج وصولاً إلى الإضراب المفتوح عن الطعام، في حال لم تتراجع الحكومة عن قرارها. وبعد تأخير ساعات طويلة، أصدرت حركة «فتح» في القطاع، التي استقالت قياداتها المحلية كافة، بياناً عبرت فيه عن رفضها «القرار». وحذرت «فتح»، وهي حزب السلطة الرئيس، والعمود الفقري للحكومة، في بيان من «التداعيات السياسية الخطيرة التي يمكن أن تترتب على استمرار هذا النهج من التمييز بين أبناء الشعب الواحد». وقالت إنها «تدرك حجم الضغوط السياسية والمالية التي تتعرض لها القيادة الفلسطينية، إلا أن التصدي لهذه الضغوط يستدعي تضافر كل الجهود لمواجهتها، وأن يتحملها كل موظفي السلطة الوطنية الفلسطينية في أماكن وجودهم كافة تبعاتها من دون تمييز بينهم». وحملت الحكومة «المسؤولية المباشرة عن سياسة التمييز والتهميش التي تتبعها في حق موظفي القطاع»، وأهابت بالرئيس محمود عباس «التدخل الفوري لوقف هذا القرار الجائر... وإقالة الحكومة التي تُصَدِر الأزمات، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتحمل مسؤولياتها الكاملة في جناحي الوطن من دون تمييز».