سادت حال من الغضب والسخط الشديدين قطاع غزة أمس وليل الثلثاء- الأربعاء بعدما حسمت حكومة التوافق الوطني الفلسطينية نسباً تتراوح بين 30 في المئة من أصحاب الدرجات الدنيا والمتوسطة، وأكثر من 50 في المئة من أصحاب الدرجات العليا. وأصابت الصدمة والذهول والخذلان مليونا فلسطيني يعيشون في القطاع، وأصبح حديث الحسوم على كل لسان في القطاع وليس فقط موظفي السلطة الفلسطينية البالغ عددهم نحو 55 ألف موظف. وجاءت الحسوم في وقت قررت فيه الحكومة أيضاً إحالة آلاف الموظفين من القطاع على التقاعد المبكر من دون موافقتهم، الأمر الذي يتنافى مع الدستور والقانون الفلسطيني. وكانت السلطة أمرت عشرات الآلاف من موظفيها في القطاع بالتوقف عن العمل والجلوس في بيوتهم عشية سيطرة حركة «حماس» على القطاع وطرد السلطة وحركة «فتح» بالقوة في 14 حزيران (يونيو) عام 2007 إثر اقتتال دام أياماً. وشدد الموظفون على أن الذنب ليس ذنبهم في عدم العمل، وتساءلوا إن كان التقاعد المبكر الإجباري والحسوم «مكافأة نهاية الخدمة والتزامهم قرارات الشرعية؟». وقالت الحكومة إنها اضطرت لاتخاذ هذه الخطوة الموقتة، التي تمت بالتوافق مع الاتحاد الأوروبي، أكبر ممول لموازنتها في القطاع فقط دون الضفة الغربية، بسبب أزمة مالية حادة تعصف بها. وقال خبراء اقتصاديون إن 85 في المئة من موظفي السلطة في غزة اقترضوا من البنوك كي يتمكنوا من بناء منازل أو تأثيثها أو شراء أجهزة كهربائية ولوازم بيتية. وأضافوا أن مثل هذه القرارات «قد تدفع الناس نحو ارتكاب أفعال مجنونة، مثل الانتحار أو الهجرة أو ارتكاب مزيد من الجرائم أو التوجه نحو تنظيمات دينية متشددة». ووصف كثير من الموظفين الحسوم بأنها «جريمة ممنهجة ومدروسة في حق القطاع»، و «مجزرة» و «مذبحة». وقال أحدهم إنها بمثابة «إحالة لقطاع غزة كله على التقاعد»، فيما قال آخر: «غزة إعدام جماعي»، وأضاف ثالث: «قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق». وكتبت ناشطة على «فايسبوك» إن «القهر صانع الجلطات» الدموية. ورأى آخرون أن ما جرى يهدف إلى «إفقار الناس وإنهاكهم»، و «لسان حال بعضهم يقول ليتني أصحو ذات صباح وأرى البحر ابتلع غزة»، في إشارة إلى مقولة رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق رابين التي أطلقها عام 1988 بعدما تصاعدت حدة الانتفاضة الشعبية الأولى. وأطلق ناشطون وسماً جديداً على شبكات التواصل الاجتماعي بعنوان «مجزرة الرواتب» احتل حيزاً إلى جانب «هاشتاغ» أطلقته الحملة الشعبية «غزة موحدة ضد الاحتلال والحصار والتهميش» بعنوان «إنقاذ غزة». وكتب مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان عصام يونس بحسرة وألم على «فايسبوك»: «من يمارس عملاً أو هواية في مراقبة ما أكتب، أرجو أن ينقل للرئيس (محمود عباس) رسالتي: ليلة حزينة جداً تهبط هماً وغماً على غزة وأهلها الطيبين، أصدقك القول بأن ما حدث أبعد من حسم على الراتب... ولكم الأمر في من تعامل مع غزة كمختبر وأهلها كفئران تجارب. غزة يا سيادة الرئيس مستودع الوطنية الفلسطينية ورأس حربتها وحامية المشروع الوطني الذي عُمد بدم شبابها وشيبها، رجالها ونسائها، لم تكل ولن تكل رغماً عما يخطط لها، وتنتظر منكم أن تمسحوا على جباه أهلها الكرام، إنهم يستحقون يداً تحنو وقلباً كبيراً حتماً سوف يسعهم». ونددت الفصائل الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني والفعاليات والاتحادات والنقابات بالحسوم الجائرة، وطالبت بالتراجع عنها. واعتبر الناطق باسم «حماس» فوزي برهوم القرار إجراءً «تعسفياً وغير مسؤول الهدف منه تكريس أزمات القطاع واستهداف عوامل صموده في مواجهة التحديات». ودعا الناطق باسم حركة «الجهاد الإسلامي» داوود شهاب إلى «البحث عن سبل لمعالجة هذه الأزمات التي خلفتها السلطة بسياساتها وأجندتها». وقالت عضو المكتب السياسي ل «الجبهة الشعبية» خالدة جرار المقيمة في رام الله إن «هناك خطوات احتجاجية متصاعدة يجب أن تمتد إلى حراك شعبي ضاغط على الأرض في كل من الضفة وقطاع غزة يضع حداً لهذه السياسة». ودعا عضو المكتب السياسي ل «الشعبية» كايد الغول من غزة إلى «مجابهة قرار الحكومة بوحدة موقف من كل الحركة الوطنية الفلسطينية، لأن من شأن هذا القرار أن يضاعف معاناة المواطنين الفلسطينيين، وأن يعمق الأزمات التي يعيشها قطاع غزة بالمعنى الاقتصادي والاجتماعي، وأن يضعف من القدرة على مواجهة التحديات القائمة والصمود». ودعت «الجبهة الديموقراطية» الحكومة إلى «مجابهة هذه الخطوة وطنياً وشعبياً من أجل وقف القرار، ومعاملة متساوية للموظفين سواء في غزة أو الضفة». وطالبت الأطر النقابية للمعلمين الفلسطينيين عباس «بالتدخل العاجل والفوري لحل هذه الأزمة»، كما طالبت الحكومة «بالتعامل مع المحافظات الجنوبية على أنها جزء لا يتجزأ من نسيج الوطن». ووصف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان الرئيس الفلسطيني القرار بأنه «غير قانوني، ويمثل شكلاً من أشكال محاربة الموظفين المدنيين والعسكريين في وسائل عيشهم ورزقهم».