وقعت اشتباكات بالأيدي، وأحياناً بالهراوات، بين الفلسطينيين في مناطق قطاع غزة على خلفية صرف رواتب موظفي السلطة الفلسطينية وعدم صرف رواتب موظفي حكومة «حماس» السابقة. وقال شهود إن الشرطة أغلقت أبواب البنوك وفضت الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين «الغزيين» واستمرت حتى منتصف ليل الأربعاء- الخميس وتجددت صباح أمس. وانتشر المئات من رجال الشرطة حول مقار البنوك منعاً لتجدد الاشتباكات، في وقت قالت سلطة النقد (بمثابة البنك المركزي) إن الشرطة «عممت» على البنوك عدم فتح أبوابها أمس، فيما نفى الناطق باسم وزارة الداخلية ذلك. واندلعت الاشتباكات بعدما توجه نحو 70 ألف من موظفي السلطة الفلسطينية «المستنكفين» الذين لم يزاولوا أعمالهم منذ أن سيطرت حركة «حماس» على قطاع في 14 حزيران (يونيو) عام 2007 على القطاع، إلى أجهزة الصراف الآلي مساء أول من أمس لتسلم رواتبهم، فمنعهم موظفو حكومة «حماس» من ذلك. وتُعتبر أزمة الرواتب أول تحد حقيقي تواجهه الحكومة الجديدة. وهناك الكثير من التحديات والمشكلات الكبرى، قياساً بأزمة الرواتب، ستواجهها الحكومة وسيتعين عليها إيجاد حلول لها في غضون ستة أشهر إلى سنة. وكان من المفترض، بموجب «إعلان الشاطئ» للمصالحة الذي تمخض عن تشكيل حكومة وفاق وطني، أن تصرف الحكومة الجديدة رواتب موظفي «حماس» البالغ عددهم أكثر من 40 ألفاً، أسوة بزملائهم من موظفي السلطة. وشعر موظفو «حماس» بغضب شديد عندما اكتشفوا أن الحكومة لم تضع أرصدة في البنوك تخولهم استلام رواتبهم. ولم تصرف حكومة «حماس» التي تنحت عن الحكم الإثنين الماضي فور تشكيل الحكومة الجديدة الإثنين الماضي، رواتب موظفيها منذ نحو شهرين، ولم تمنحهم خلال الأشهر الأخيرة سوى نصف راتب، فيما ترتفع أسعار السلع والخدمات باضطراد، وتضعف القوة الشرائية لعملة الشيكل باستمرار. الحكومة وطالب الناطق باسم الحكومة إيهاب بسيسو خلال مؤتمر صحافي في رام الله جميع الأطراف ب «الهدوء والتريث وعدم الانجرار وراء أي توترات من شأنها أن تعرقل عمل الحكومة، ولا تخدم سوى من يتربصون بالاتفاق والوحدة الوطنية ويراهنون على فشل المصالحة». وقال إن لجنة قانونية وإدارية ستشكل قريباً للبحث في أوضاع موظفي الحكومة المستقيلة في قطاع غزة. وأضاف في مؤتمر صحفي في رام الله: «ان عدم صرف رواتب موظفي غزة يعود إلى أن عمر حكومة الوفاق الوطني لا يتجاوز أياماً، وأن رواتب الموظفين السابقين كانت معدة مسبقاً. وتابع أن مهمة حكومة الوفاق الوطني هي إزالة آثار الانقسام، والتحضير للانتخابات، وإعادة إعمار قطاع غزة. وأوضح أن الصعوبات التي تواجهها الحكومة كبيرة، وان اللجان القانونية والإدارية ستبدأ عملها قريباً لحل المشاكل، معرباً عن أسفه لما حدث في قطاع غزة حين قام موظفو الحكومة المستقيلة بمنع موظفي السلطة من سحب رواتبهم من البنوك احتجاجاً على عدم تلقيهم رواتبهم. عودة خطاب الانقسام وعلى رغم التغيير الإيجابي في خطاب الفصائل، خصوصاً حركتي «فتح» و «حماس»، والذي واكب مرحلة ما بعد «إعلان الشاطئ»، إلا أن الأمر تغير بين لحظة وضحاها عندما عاد خطاب الانقسام إلى الواجهة، إذ وصف الناطق باسم الأجهزة الأمنية (في الضفة الغربية) اللواء عدنان الضميري منع الموظفين من استلام رواتبهم ب «البلطجة». واعتبر في تصريح أن هذه التصرفات، إضافة إلى دعوة «حماس» في الضفة الفلسطينيين إلى الإضراب الشامل من دون توافق مع القوى الوطنية، «محاولة لتخريب المصالحة». من جهته، نفى الناطق باسم وزارة الداخلية (غزة) أياد البُزم، أن تكون الشرطة أمرت بإغلاق البنوك. وقال على حسابه على «فايسبوك» إن «الشرطة عملت على معالجة (الأحداث) ومنع تفاقمها وتوفير الحماية للبنوك والمؤسسات العامة، وواصلت الانتشار حول البنوك خشية تجدد الأحداث». بدوره، اعتبر عضو المكتب السياسي لحركة «حماس»، مسؤول ملف المصالحة فيها موسى أبو مرزوق، أن «حكومة التوافق الوطني جاءت لتكون بديلاً من حكومتي الانقسام وليست خلفاً لهما». وكتب على حسابه على «فايسبوك: «لا يجوز أن تعتبر (الحكومة) نفسها استمراراً لحكومة رام الله، والأخرى يفتح الله». وصعّد من لهجته قائلاً إن «الحكومة تريد تكريس أننا فريقان، وأن هناك شرعيين وآخرين غير ذلك، تريد أن تزرع الشقاق من جديد وتُرجع الانقسام الذي تركناه وراء ظهورنا». وأضاف: «حذرنا من ردود الأفعال لتلك التصرفات. يجب أن يعامل الجميع بعدالة وإنصاف ومن دون تمييز، فمهمات حكومة التوافق الوطني وحدة المؤسسات، لا تكريس الانقسام بينها، وإنجاز المصالحة الاجتماعية لا التمييز والتفريق بين الناس، والبعض يقاتل البعض، هل من عاقل يتدارك الأمر ويتعامل بالسوية ومسؤولية وطنية». وطالب نائب رئيس كتلة التغيير والإصلاح البرلمانية التابعة ل «حماس» إسماعيل الأشقر رئيس الحكومة رامي الحمد ب «تدارك الخطأ الخطير بعدم صرف رواتب موظفي غزة، وتحمل مسؤولياته وصرف الرواتب للجميع من دون استثناء». كما طالبت نقابة الموظفين في غزة (حماس) الحكومة ب «عدم تقسيم الوطن والموظفين وتوحيد رواتب الضفة وغزة، وهددت بفعاليات احتجاجية في حال استمرت الأزمة». وقال نقيب الموظفين محمد صيام خلال مؤتمر صحافي، إن الحكومة «طالعتنا بخطوات غير مبررة أعادتنا إلى المربع الأول من الشكوك وعدم الثقة بالتنفيذ الأمين لبنود المصالحة». وأضاف أن النقابة «لن تقبل التمييز بين موظفي غزة والضفة»، مطالباً الحكومة بأن «تقف على مسافة واحدة من الموظفين». وشدد على عدم القبول «باستمرار حال الغموض والضبابية في شأن موعد صرف الرواتب من أطراف الحوار والمصالحة»، مطالباً «بموقف واضح وصريح في شأن مصير رواتب موظفي غزة ومستحقاتهم». كما استهجنت حركة «الجهاد الإسلامي» والجبهتان «الشعبية» و «الديموقراطية» لتحرير فلسطين وحزب «الشعب» ومركز «الميزان» ومؤسسة «الضمير» لحقوق الإنسان ما حصل، وحمّلت طرفي الانقسام المسؤولية عنه، ودعت الحكومة إلى تطويق الأزمة وتحمل مسؤولياتها القانونية تجاه القطاع.