العرض اسمه «تضحيات»، وهو يقدم كل ليلة فوق خشبة مسرح «رون بوان» الباريسي العريق المعروف بجدية المسرحيات التي يعرضها على رواده منذ أن تولى إدارته المخرج والمؤلف جان ميشيل ريب في العام 2005. ويعتمد «تضحيات» على براعة ممثلة واحدة فقط تشغل مساحة الخشبة بالطول والعرض خلال ساعة كاملة واسمها نواره ناغوش، وهي جزائرية الجذور مقيمة منذ زمن طويل في مدينة كولمار في منطقة ألزاس الفرنسية، وهي مقيمة اليوم في باريس من أجل المسرح. ويتعجب الجمهور أمام قدرة نواره على إضحاكه وهز كيانه في شكل مسيل للدموع بين لحظة وأخرى، بمجرد أنها تنتقل من حكاية الجزائرية المغتربة التي لا تستمع إلا لمحطة إذاعية فرنسية في بيتها طوال النهار، إلى أحزان ومشقات عربية ثانية تعاني من الغربة ولكن أيضاً من سوء معاملة زوجها لها منذ أن تركت العائلة الجزائر واستقرت في فرنسا. وهكذا تقضي نواره ساعتها فوق المسرح في التكلم والتحرك من دون لحظة واحدة من الراحة، تتقمص شخصيات النساء العربيات المغتربات، وكذلك أولئك الموجودات في الجزائر ويحلمن بالقدوم إلى فرنسا فيحسدن المسكينات المقيمات في باريس لأنهن يتمتعن في رأيهن بكل ما تحلم به أي امرأة في الكون. وتقلد نوّاره المراهقات العربيات المقيمات في مدينة كولمار، ثم الفرنسيات، وتتمادى إلى درجة تقليد الرجال العرب وغير العرب في هذه المدينة أيضاً، فلا تتوقف قاعة المسرح عن الضحك إلى أن تتغير نبرات صوت نواره في شكل مفاجئ وتحكي عذاب شابة عربية مغتربة وقتلها لمجرد أنها أحبت فرنسياً. وهنا تصمت القاعة وكأنها تنغمس فجأة في حال من الذهول تستغلها الفنانة بذكاء من أجل أن تفرض على الحضور تفاصيل الحكاية التي ترغب في سردها. وبما أنها ممثلة مخضرمة تشعر نواره بالحال التي يوجد فيها المتفرج وتعرف كيف تقيس نبضه، وبالتالي متى تتوقف عن استغلال الموقف الدرامي وتبديله في ثوان بنكات مسلية عن العرب في الغربة وعن طريقة تفوههم بالفرنسية وأسلوبهم في نقل تراثهم الشعبي وتقاليدهم من بلادهم إلى الحي الفرنسي الذي يسكنونه. بدأت نواره مشوارها الفني في العام 1999 بعرض فردي، وذلك في الريف الفرنسي، وهي منذ ذلك الحين كتبت ومثلت ما لا يقل عن خمس مسرحيات فردية. وهذه المرة الأولى التي تقف فيها نواره فوق خشبة باريسية، وهي محظوظة كون مسرح «رون بوان» يستقبلها في بدايتها في العاصمة. وتعمل نواره منذ بداية عملها في المسرح تحت إدارة المخرج بيار غيلوا.