كان تطبيع العلاقات مع ارمينيا من أكبر نجاحات السياسة الخارجية التي انتهجها حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا. واقول «كان» لأنه بات مهدداً بعد زيارة رئيس الوزراء الاخيرة الى العاصمة الاذربيجانية، باكو. فهو القى كلمة في البرلمان الأذري قال فيها إنه لا يمكن فتح الحدود مع ارمينيا قبل حل مسألة اقليم قره باغ. وهذا تعهد تركي يصعب التراجع عنه ويهدد بنسف ما تقوم به تركيا، في الوقت نفسه للتقارب مع ارمينيا ولنقرأ معاً ماذا قال اردوغان نفسه: «ان احتلال قره باغ هو السبب، واغلاق الحدود التركية مع ارمينيا هو نتيجة لذلك السبب، وبالتالي فمن غير انسحاب ارمينيا من قره باغ لا يمكن فتح الحدود التركية مع ارمينيا». واذا كان هذا ما يقصده اردوغان فعلاً، فلماذا بذلت الجهود الديبلوماسية السرية التي تولتها تركيا مع ارمينيا في العامين الماضيين؟ وهل كان الهدف من ذلك كله الحؤول بين الرئيس اوباما وبين الاعتراف بمذابح الارمن في خطابه الاخير؟ وهل السياسة الخارجية التركية قصيرة النفس الى هذا الحد وتعمل يوماً بيوم؟ وهذا الربط الذي ابتدعه اردوغان لا يمكن القبول به، والخارجية التركية كانت وأدت هذا الربط قبل أن يولد على يد اردوغان. والدليل واضح في النقاط الثلاث الاساسية التي قامت عليها «خريطة الطريق» بين تركيا وارمينيا، وتنص على فتح الحدود البرية بين البلدين، وتبادل السفراء، وتشكيل لجنة من المؤرخين لبحث قضية مذابح الارمن وحوادث 1915. وعلينا ان نسأل انفسنا: كيف ولماذا وافقت ارمينيا على تشكيل هذه اللجنة من المؤرخين لبحث قضية المذابح التي كانت تصر دائماً على اعتراف تركيا بها من دون قيد او شرط؟ والاجابة الوحيدة المعقولة هي أن التنازل الارمني نظير تنازل تركي قضى بفتح الحدود وتبادل السفراء. وهذا ربط سياسي بناء ومفيد. وهو يجعل من كلام اردوغان باذربيجان خفيفاً في ميزان الواقعية السياسية. واذا صدقنا اردوغان، فعلينا الاقرار بأنه نسف في اقل من 3 أسابيع جهود الرئيس عبدالله غل مع نظيره الارمني، ومساعي تطبيع العلاقات بين البلدين. وتشكيل لجنة المؤرخين مهم جداً من وجهة النظر التركية. فاللوبي الارمني خارج ارمينيا يسعى، منذ سنوات في اقناع العالم بحقيقة التظهير العرقي على يد الدولة العثمانية، واختار اللوبي 2015 تاريخاً يعلن فيه قضيته على العالم، ويدعوه الى مشاركته بإحياء ذكرى قرن على الحادثة، والاعتراف الرسمي بها. وهي خطة هجومية لكسر الارادة التركية. ولجنة المؤرخين في مثابة الدرع الواقية من تأثير الحملة على علاقاتها بالغرب. فعلى اردوغان السير على الطريق المستقيم الذي ترسمه الدولة، وترك المناورات الصغيرة لأجل ارضاء بعض الأصدقاء في أذربيجان وغيرها. فصدق سياسة تركيا الخارجية في الميزان. صحافي، عن «مللييت» التركية، 25/5/2009