طبيعي أن تهتم الصحف ووسائل الإعلام بالأحداث الساخنة، ومصر فيها من السخونة الآن ما يجذب الصحافيين والإعلاميين المشغولين بملاحقة وقائع الانتخابات البرلمانية وما جرى في الجولة الأولى منها، وما يمكن أن يحدث في الجولة الثانية الأحد المقبل. ولعل ذلك كان سبباً في تغييب أحداث أخرى لم تر فيها وسائل الإعلام المصرية ما يجذبها، على رغم أهميتها أو ما تعكسه من معان، أو ما تمثله من مغزى. من تلك الأحداث، الزيارة السريعة التي قام بها أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للعاصمة المصرية الإثنين، ولم تستغرق سوى ساعتين. لم تكن للزيارة أسباب سياسية، وإنما إنسانية، ولم تُعقد أثناءها محادثات، ولم تصدر عنها بيانات، وإنما لاقت ارتياحاً وترحيباً لدى المصريين البسطاء. خرجت الصحف المصرية في اليوم التالي وفيها خبر الزيارة، ولكن بشكل محدود، على رغم أن ملف العلاقات المصرية – القطرية ظل يحتل مساحات واسعة في غالبية الصحف وبرامج التلفزيون في السنوات الأخيرة لسبب بسيط، وهو أنها كانت علاقات سيئة! لكن لأن تحسناً جرى، وتقارباً حدث، ومواقف صارت فيها رؤى البلدين مشتركة، فإن وسائل الإعلام المصرية تعاملت مع الزيارة من باب «العلاقات العامة» ليس أكثر، حيث كان وزير الصناعة والتجارة والقائم بأعمال وزارة الاستثمار، المهندس رشيد محمد رشيد، هو مَنْ رأَسَ بعثة الشرف المرافقة للأمير خلال الزيارة، فاستقبله ثم ودعه والوفدَ المرافق له في مطار القاهرة، وترتب على ذلك كما قالت مصادر وزارة التجارة والصناعة، إلغاء اجتماع لرشيد كان مقرراً مع الغرفة التجارية المصرية مساء الإثنين. ومن دون ضجة كبيرة أو صخب أو ارتباك مروري يصاحب تحركات زوار العاصمة المصرية، سار موكب الأمير في شوارع القاهرة من المطار إلى حي المهندسين، حيث قدم واجب العزاء والمواساة إلى أبناء الراحل أحمد علي منصور في منزل الفقيد، ثم اتجه بعدها ومرافقيه مباشرة إلى المطار، تاركاً انطباعات طيبة لدى من علموا بلفتته الإنسانية تلك، وهم أنفسهم الذين ظلوا يقرأون في الصحف المصرية ويسمعون في برامج التلفزيون انتقادات لكل سلوك قطري. أحمد علي منصور مواطن مصري كان يعمل مدرساً ليس أكثر، ولم يحتل يوماً منصباً رسمياً، ولم يشغل مقعداً وزارياً أو يتبوأ منصباً رفيعاً، ولكنه قام فقط بتدريس أمير قطر حين كان في المراحل الابتدائية، وعندما علم الأمير بوفاته أصر على أن يسافر إلى القاهرة لتقديم التعازي، وفاءً منه لمدرسه. وبالطبع، لم تجد وسائل الإعلام العالمية في الحدث ما يدفعها إلى التعامل معه، لكن الأمر يختلف بالنسبة الى وسائل الإعلام المصرية، فالزيارة كانت للقاهرة، ولمنزل مواطن مصري، وقام بها حاكم دولة عربية، وكأن الأخبار المهمة فقط هي التي يكون للمسؤولين المصرين علاقة بها! في التفاصيل، أشارت المعلومات إلى أن الأمير قدّم التعازي إلى ابناء الفقيد المقيمين في دولة قطر، وهم: الدكتور محمد صلاح، وعبد الجواد، ومحمد جمال، والدكتور خالد أحمد علي منصور. والمؤكد أن الزيارة، رغم أنّ لا علاقة لها بالسياسة، ستصب في مصلحة السياسة، فآخر زيارة لأمير قطر إلى القاهرة كانت في عام 2007، بعدها ساد جفاء مصري - قطري على معظم الأصعدة، بسبب ما سمّته الخارجية المصرية وقتها ب «سياسات قناة الجزيرة» تجاه مصر وعدم التزامها الموضوعية في تقاريرها وتغطياتها للأوضاع السياسية في مصر. إلا أن جهوداً سعودية وكويتية وليبية عملت جاهدة طوال العامين الماضيين لحل الخلافات، واستجاب الرئيس مبارك لدعوة قطرية إلى زيارة الدوحة، وكان لزيارة المهندس رشيد للدوحة مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري تأثير كبير على تحسن العلاقات وإزالة التوتر بين العاصمتين والاتفاق على عودة المياه إلى مجاريها. بدا الحدث بالنسبة الى وسائل الإعلام المصرية وكأنه مجرد زيارة عزاء، غير أن المهتمين بملف العلاقات المصرية مع الدول العربية اعتبروا أن الزيارة تصب في اتجاه مزيد من التحسن في العلاقات المصرية – القطرية، خصوصاً على المستوى الشعبي، إذ يبقى لدى المصريين شعور دائم بالحميمية تجاه مواقف إنسانية يعتبرونها أهم من المواقف السياسية، فأحوال السياسة العربية لم تعد تسر عدواً أو حبيباً، كما يقول المصريون، علاوة على أن المواطن المصري، المشغول دائماً بهموم ومتاعب الحياة، لم يعد يرى في السياسة حاجة ملحة، غير أنه بكل تأكيد لا يزال يحنّ إلى كل سلوك إنساني.