تميزت الأعمال الفنية والمشاريع الإبداعية ل16 من الفنانين السعوديين الشباب والناشئة عبر ردهات وأروقة معرض «سَفَر» المول ضمن فعاليات «فن جدة 21،39» في نسخة الرابعة التي ينظمها المجلس الفني السعودي على مدى ثلاثة أشهر، إذ تتجاوز الفعاليات أكثر من 50 نشاطاً ثقافياً وفنياً، بهدف تعزيز تفاعل المجتمع مع المشهد الفني والثقافي في المملكة ضمن جهود المجلس في تنمية المجتمع عبر الترويج للفن والثقافة. وعبْر المركز التجاري «المول» يعكس «فن جدة 21،39»، وهي مبادرة غير ربحية أطلقها المجلس الفني السعودي وتتضمن عدداً من المعارض الفنية والثقافية وورش العمل، إلى جانب اللقاءات التعليمية والندوات المختلفة والرحلات المدرسية، وتستوحي اسمها من الإحداثيات الجغرافية لمدينة جدة (21.5433° شمالاً، 39.1728° شرقاً)، جزاءً من أجزاء «سفر» الثلاثة، ليسلط الضوء على أهمية هذه الأماكن العامة للنسيج الاجتماعي في جدة، واستعارة الحاضر عبر 16 عملاً لفنانين سعوديين ناشئين تشمل الرسم والتصوير والصوت والفيديو وأعمال الوسائط المختلفة، تم تصميمها على أنها تراكيب مكانية مختلفة. تبدأ رحلتنا في المعرض ب«مسلة تيماء»، وهو عبارة عن نصب تذكاري من الحجر المنقوش يعود للقرن الرابع قبل الميلاد، تم حفرها في مدينة تيماء شمال غربي المملكة. وتتميز المسلة المهداة من المتحف الوطني في الرياض بأنها مغطاة بالنقوش الآرامية ومنحوتات تظهر الروابط التاريخية بين شبه الجزيرة العربية والحضارة البابلية الحديثة، إذ تسلط الضوء على الرحلة الزمنية التي تمر بها الأجسام وكيفية اكتسابها معانٍ مختلفة مع مرور الوقت وتغيير المواقع. يلي ذلك، العمل التركيبي الضخم للفنان ناصر السالم الذي لفت الانتباه إلى عالم المعمار في عدد كبير من المدن العربية التي تفتقر إلى ثقافة «تخطيط المدينة» من خلال عمل «يتباهون في البنيان»، والذي جسد عبر هيكل ثلاثي الأبعاد الحديث الشريف «يتطاولون في البنيان» عبر تحويل كل كلمة إلى وحدة بناء معمارية استخدمها في ما بعد ليبتكر ما يشبه مدينة بائسة. ويسعى هذا العمل للتعبير عن الازدهار وعلاقته بالخلود، كما يعكس العظمة التي تضفيها الإنسانية على تشييد النصب التذكارية، ليخوض الفنان في رحلة زمنية يدعونا من خلالها إلى التأمل في حياة أبسط وأكثر تواضعاً بعيدة عن التحديث المتسارع الذي تتفاخر به ثقافات عدة. وإلى جانب هذا العمل أفرد الفنان الفوتوغرافي معاذ العوفي صورتين ضمن سلسلة صور «الراعي»، التي تحكي من خلال لقطات قريبة لوجوه الرعاة في الصحراء نظراتهم الثاقبة ومحيطهم القاحل، وتنتشر هذه الصور عبر المعرض بأكمله كما لو كانت لا تزال في سفرها الخاص ليذكرنا بنمط حياة الرعاة الذين يهاجرون كثيراً، إذ تسرد هذه الصور حكاية العودة إلى الطبيعة والحفاظ على التراث الثقافي. وفي عمل آخر تناول معاذ العوفي توثيقاً باسم «التشهد الأخير»، وهو عبارة عن سلسلة من صناديق الصور التي تدعو المشاهد إلى تأمل موضوع الزوال من خلال تصوير عدد من المساجد المنتشرة على امتداد الطريق المتعرجة والمؤدية إلى المدينةالمنورة، التي كانت مكان عبادة للمسافرين المتعبين، إلا أنها لم تعد تُستخدم الآن وأصبحوا المسافرون على هذا الطريق شاهدين على حالها المهملة. ويعتبر هذا العمل للعوفي أرشيفاً وإجلالاً في آن من خلال «نزوح» هذه الأبنية من وظيفتها الأساسية، مشدداً بذلك على سخرية القدر. وكان الفنانون المشاركون في المعرض استلهموا أفكارهم وأعمالهم من كلمة «سفر» كمصطلح يستخدم لوصف الأشياء التي كشفت، أو تمّ الكشف عنها ليقدموا أعمالا معاصرة استخدموا فيها كل التقنيات المتاحة لهم كأدوات للتعبير والطرح، إذ كانت فكرة عنوان المعرض هذا العام «سَفَرَ» حاضرة قبل البدء في المعرض، فعمل الثنائي سام بردويل وتيل فيلراث على تنظيم رحلات دراسية استكشافية دولية لمدينة برلين وكوريا كجزء من برنامج تعليمي مدته سنة واحدة بصحبة ستة فنانين سعوديين ناشئة شاركوا في هذه الجولات، وأسسوا لجاناً خاصة لنسخة 2017 لفن جدة 21،39 ليستكشفوا فكرة السفر والحركة كوسيلة للتعلم والنموّ. وشهدت فعاليات «فن جدة 21،39» حضور وإشادة عدد كبير من رواد وقادة الإبداع الفني والثقافي في دول الخليج وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا وعدد كبير من الفنانين والفنانات السعوديين. يذكر أن المجلس الفني السعودي تأسس في 2014، وهو منظمة غير ربحية تسعى لتعزيز الفن والثقافة بالمملكة، ودعم الإبداع على الصعيد المحلي والوطني، ويتألف المجلس من مجموعة من محبي الفن المحليين الذين يرغبون في الإسهام في المجتمع من خلال تعزيز الفن والثقافة في المملكة.