ها قد تسلل الخريف إلى مدينة ميونيخ وأرخى بثقله عليها، فظللها الغمام الماطر، وتماوجت غاباتها بالألون البهية التي تراوحت بين البرتقالي والأصفر والبني الفاتح، وانبعثت في الأجواء رائحة مواقد الحطب. فالبرد يغزو المدينة باكراً، ولا يفك حصاره عنها إلا عند إطلالة بشائر الربيع. ولكن في أي وقت تدعوك ميونيخ إلى أحضانها، فإنها ستغريك حتماً بالكم الهائل من الكنوز المعمارية والمعالم السياحية ووسائل الترفيه والتسلية التي تحتشد تحت سمائها لتحولها إلى مدينة سياحية من الدرجة الأولى. اليوم الأول دائماً هناك ما يناديك ويشدك إليه في ميونيخ. فإذا حملتك أسفارك إليها في نهاية أيلول (سبتمبر) فسيكون بانتظارك مهرجان «اوكتوبرفاست» Octoberfest الذي يغير وجه المدينة الهادئ، ويضفي عليها فصلاً جديداً عنوانه الفرح والسعادة والحبور. وفي هذا الفصل تحتفل ميونيخ بعرسها السنوي الذي ينتظره الجميع بشوق ولهفة. إنه «أوكتوبرفاست» الذي له مكانة خاصة في قلوب أهل المدينة، ولدى كثيرين ممن هم أوفياء لحضوره سنة بعد سنة. وحتى أنا، فقد انضممت هذا العام إلى قافلة الملايين لحضور هذا التقليد السنوي، وتوجهت في 18 أيلول (سبتمبر) إلى ميونيخ وبالتحديد إلى ساحة «تيريزيانفيز» Theresienwiese المخصصة لإقامة المهرجان. وعلى رغم الحشود الغفيرة التي تتجمع في ذلك المكان، فقد كان لي نصيب في الوصول إلى خيمة «شوتنهامل» Schottenhamel التي تستوعب حوالى 4 آلاف شخص، وهي أفضل الخيم المنتشرة في الساحة، لمشاهدة لحظة الإفتتاح التي غالباً ما يرأسها عمدة ميونيخ الذي يتوجب عليه الضرب في الساعة الثانية عشرة ظهراً على برميل، لإعطاء الضوء الأخضر لبدء المهرجان والمباشرة ببيع المشروبات. هكذا يبدأ «أوكتوبرفاست» الذي يستمر أكثر من إسبوعين، يشد خلالهما أنظار العالم إليه، ليتعرفوا أكثر الى ثقافة ولاية بافاريا الألمانية وتراثها الغني الذي يتجسد بلوحات فولكلورية تسترجع حكايات قديمة عمرها ما يقارب المئتي عام، منها تقليد سباق الخيل في ساحة المهرجان لإستعادة ذكرى إنطلاقته الأولى حين أمر ولي العهد «لودفيج فون بايرن» في 17 تشرين الأول (أوكتوبر) العام 1810 بإقامة حلبة لهذه السباقات، والقيام بعروض رياضية متميزة، إحتفالاً بزواجه من الأميرة «تيريزا فون ساكسون». ولما استفسرت عن سبب تقديم موعد المهرجان إلى أيلول، قيل لي أن منظمي المهرجان قرروا في مطلع السبعينات تغيير موعده لكي يستمتع الزوار بدفء هذا الشهر بدلاً من إقامته في الشهر التالي حيث يتحول الطقس الى البرودة. وأترك ساحة «تيريزيانفيز» وهي تعيش أجمل أيامها. كيف لا، ففي رحابها تتعالى نغمات موسيقى الجنوب الألماني مع العروض الرائعة للأزياء التقليدية التي يحافظ أهل بافاريا على إرتدائها، وفيها تعبق الأجواء برائحة المأكولات والحلويات الشهية التي لا يستطيع احد مقاومتها. اليوم الثاني لا يمكننا إنشاء فندق بسمعة عالمية وتاريخ طويل وخدمات راقية بين ليلة وضحاها، بل يستلزم ذلك عشرات السنين. هذا ما قصته على مسامعي المسؤولة عن العلاقات العامة في فندق «بايريشرهوف»Bayerischer Hof. هنا سيشعر أي ضيف بالحفاوة التي يتقنها جميع العاملين فيه. كيف لا، فصاحبة الفندق الآنسة إينيغريت فولكهارت Innegrit Volkhardt لها عين ساهرة على كل ما يجول فيه، وتسعى جاهدة الى أن يشعر النزلاء بأنهم في بيتهم وليسوا في مجرد فندق. ومن الممكن أن ترحب بكم شخصياً إذا سنحت لها الفرصة بذلك، وستخبركم عن هذا المكان الذي له مكانة خاصة في قلبها، لأن أسرتها لا تزال تديره منذ أكثر من 100 عام. و «بايريشرهوف» شيد بناء على طلب ملك بافاريا «لوديفيك الأول» العام 1839 نظراً الى حاجة المدينة لفندق من الدرجة الأولى لإستقبال الملوك والأمراء وطبقة النخبة. وحتى الملك كان يتردد إليه كل اسبوعين للإستحمام في الحمام الملكي. كثيرة هي الغرف والأجنحة الفخمة التي ستبهركم بديكورها الفخم، وكثيرة هي المطاعم والبارات التي يضمها الفندق ولكل منها أجواؤها الخاصة. ولكن يبقى منتجع «بلو سبا» Blue Spa واحة للراحة والرفاهية. خدماته المتعددة وموقعه المشرف على مدينة ميونيخ وما يحيط بها من مآثر عمرانية مهيبة، جعلته مقصداً للباحثين عن أوقات ممتعة تبعث على الإسترخاء وتجديد النشاط وإستعادة الحيوية. ومن مكان يضج بالتاريخ وقصصه القديمة، أصل إلى الوجه الآخر لميونيخ، وجهها الحديث الذي يستعرضه ملعب «أليانز أرينا» Allianz Arena الذي أنشئ خصيصاً لبطولة كأس العالم 2006، وأعتبر عند افتتاحه أحد أروع وأحدث الملاعب في العالم، ولذلك تم أختياره ليكون الملعب الذي يحتضن المباراة الإفتتاحية لكأس العالم بين ألمانيا وكوستاريكا. وعلمت أن هذا الملعب المذهل يتسع لأكثر من 70 ألف متفرج، ويتكون غطاؤه الخارجي من 2874 كيساً هوائياً شفافاً، وهو يتلون باللونين الأحمر (لون نادي بايرن ميونيخ) والأزرق (لون نادي 1860)، إلى جانب اللون الأبيض المحايد للإضاءة عند استقبال الفرق الأخرى. وتعتبر واجهة الملعب أضخم غلاف بلاستيكي في العالم كله. اليوم الثالث في كل مكان تحتشد كنوز ميونيخ المعمارية وتطل عليكم شامخة كشموخ جبال الألب القريبة منها. وعلى رغم زياراتي المتكررة لهذه المدينة، ففي كل مرة أقف أمام أي من تلك المآثر العمرانية أشعر وكأنني أراها للمرة الأولى. فهي تأخذكم برحلة إلى ماضيها المجيد من خلال تلك الزخارف الدقيقة والهندسة المشغولة بمهارة وحرفية عالية، والتي ستؤثر حتماً في قلوب ناظريها. توقفت في ساحة «مارينبلاتز» Marienplatz فاستقبلتني بمبانيها العتيقة وحركة الناس التي لا تهدأ. إنها بالفعل قلب ميونيخ النابض على مدار الساعة. نظرت إلى الأعلى، فظهر أمامي تمثال للسيدة العذراء حارسة المدينة، وحوله تتعانق المباني وتتناغم في ما بينها لتحول الساحة إلى مكان مفعم بالسحر والجمال. في الجزء الشمالي منها يقع دار البلدية الذي يعلو برجه ساعة كبيرة تدق كل نصف ساعة، وتخرج منها كل ساعة تماثيل جميلة تتراقص وتتمايل على نغمات الموسيقى. قصدت قصر «نيمفنبورغ» Nymphenburg Palace الذي كان مقراً للحاكم البافاري «فيتلسباخ» لسنوات طويلة. إن أكثر ما لفت انتباهي فيه حدائقه الشاسعة التي تضم عدداً من نوافير المياه والجداول والقلاع الصغيرة المتوارية في جنبات الحدائق الخلفية. لا يمكن السائح أن يشعر بالملل في ميونيخ، فأينما حللتم ستجدون ما يجعل من عطلتكم حدثاً بحد ذاته. وبينما كنت أمر في وسط المدينة قاصداً الفندق، مررت بالقرب من بوابات المدينة المختلفة من ناحية التصميم والبناء والزخرفة، وذلك بسبب اختلاف تواريخ بنائها والأهداف المرجوة منها ومن أذواق مهندسيها. وأشهر هذه البوابات «بوابة النصر» التي بنيت العام 1843 على غرار قوس قسطنطين في روما لتخليد الإنتصارات الألمانية. تحولت هذه البوابة القريبة من جامعة ميونيخ إلى بوابة للسلام بعد سقوط هتلر. ويعلو البوابة تمثال عربة رباعية تجرها الأسود بدلاً من الخيول. ومررت أيضاً بالبوابة الثانية وهي بوابة «إيزار» التي بناها القيصر «لوديفيغ» العام 1337 تخليداً لانتصاره على أحد الأمراء المحليين. وتتألف من برج عالٍ في الوسط، وبرجين جانبيين لكل منهما ثمانية أضلاع. وكذلك كان لي وقفة أمام بوابة «سيدلنغر» التي بنيت العام 1318 كممر للتجارة بين الشمال وجنوب البلاد، وقد بناها «لوديفيغ الأول» من ثلاثة مداخل صغيرة، وأعيد بناؤها من مدخل واحد مقوس العام 1906 بعد أن تعرضت للخراب من جراء الحروب. ومن بوابة إلى أخرى، وصلت إلى البوابة الرقم واحد في مطار ميونيخ إستعداداً للعودة إلى لندن. سجلوا في مفكرتكم! - يزود هذا الموقع الزوار بكافة المعلومات المطلوبة عن فندق «بايريشرهوف»: www.bayerischerhof.de - للمزيد من المعلومات عن ميونيخ يمكنكم زيارة الموقع الآتي: www.muenchen.de