على إحدى القنوات الشعبية ظهر أحدهم مبدياً رأيه تجاه «الشحاذة» بالشعر، نافياً أن يكون هناك علاقة بينها وبين التسوّل، وأعطى لها تعريفاً خاصاً بأنها وسيلة كسب للشاعر (الشحّاذ)، وليس للممدوح فضلٌ ولا منّة في ما يدفعه من دون إراقة ماء وجه هذا الشاعر، فهو لا يعطيه إلا قيمة المديح المقدم له، الذي قد يوصله أحياناً إلى منزلة الصحابة والتابعين، وهذه الوسيلة تخوّل للشاعر أيضاً أن يسبّ ذلك الممدوح من دون أن يكلفه ذلك شيئاً، بعد أن يصدر حكم العقوبة عليه ويوقّّعه وينفّذه، ويجعل هذا القرار صادراً برقم وتاريخ يلغي جميع ما قبله من قصائد المدح، مشيراً إلى أنه لا يستحق ذلك، ويذمّه بصفات قد تجعل من القارئ للوهلة الأولى أن يرى في ذلك المهجو أنه من طبقة «الشعراء الشحّاذين، هذا طبعاً إذا لم يحصل على ذلك المبلغ المتوقّع أو القيمة التقريبية لتلك القصيدة العصماء». «الشحاذة» بالشعر ليست وليدة هذا العصر، ولكن في عصرنا الحالي اختلف وضعها، فأصبح «الشعراء الشحّاذون» يفتخرون بها حتى أصبحت على رؤوس الأشهاد (عيني عينك). إضافةً إلى ما ذكر من فخرهم بهذه الصنعة، فهم يمتلكون شجاعةً نادرة تجعلهم لا يخشون في المدح من أجل الدراهم لومة لائم، حتى ولو كان مكافحة التسوّل التي تحارب حتى «بائعة الفصفص» التي تقف أمام الإشارات والمساجد وهي لا تجد من حطام هذه الدنيا سوى هذه الأكياس «المملّحة»، ولم تعلم أن البلدية لا تألو جهداً في مصادرة ما بحوزتها وتركها إلى مصيرها المجهول مع مكافحة التسوّل. معظمنا تابع قضية ذلك المجاهر التي أشغلت الرأي العام والمجتمع السعودي بطبقاته كافة، ونالت من التغطية الإعلامية الشيء الكثير، حتى دخلت معها كاميرات الإعلاميين إلى أروقة المحاكم لتنقل لنا خبر صدور الحكم بحق بطل المجاهرة وإغلاق مكاتب تلك القناة المشؤومة، ولكن لم نرَ شعراءنا الشعبيين وإعلامنا ومثقفينا يعارضون ذلك المجاهر الشعبي في ما قاله وهو يجاهر «بالشحاذة» علناً على تلك القناة الشعبية، وكأنهم رضوا بذلك من متحدثهم الرسمي وهو يطرح صوراً وأشكالاً عدة للشحاذة والتسوّل، تجعل من كل شويعر مغمور الاتجاه إلى صنعة من لا صنعة له (الشحاذة الليمتد) ليختصر الوقت وينال الشهرة المزيّفة والجيب ال «vx-r» آخر موديل. أتمنى ألا يكون هناك فقرة رقم «...» من نظام مكافحة التسوّل تستثني الشعراء المتسوّلين من المحاسبة وتصنفهم على أنهم من أرباب الصِنع الداخلة في «نظام السعودة» وذات الكسب المباح، حتى لا أقع ضحيةً لألسنة هؤلاء المفوّهين، فتتفجّر قرائحهم وأصبح لهم هدف يناله الكم الهائل من أبيات الهجاء (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق) في نهاية كل قصيدة مدح يرجى من ورائها عطاءً جزيلاً، مؤكدين بأنه سيكون مصير الممدوح إلى مصيري إن لم يتحقق مبتغاهم. عقاب العتيبي – الرياض [email protected]