خلال اجتماع قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الأخير في الرياض، أعلن عن توافق خليجي مع تحفظ إماراتي عن اتخاذ الرياض مقراً للبنك المركزي لدول الخليج، إلى جانب مقر الأمانة العامة للمجلس. من المعلوم ان السعودية قوة اقتصادية كبيرة على مستوى العالم، وأكبر اقتصاد خليجي وعربي، واقتصادها يمثل ما يقارب ثلثي اقتصادات دول مجلس التعاون، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة العضو في مجموعة دول ال20، وهي واحدة من أكبر دول العالم التي تمتلك احتياطات نقدية في الصندوق الدولي. وبذلك يتضح أن السعودية الدولة الأنسب خليجياً لهذا المقر. ربما عندما يكون الحديث عن مرونة البيئة الاقتصادية، تكون دبيوأبوظبي الأكثر مرونة، والأسهل في منح التأشيرات والتسهيلات من الرياض، مقارنة ب «بيروقراطية» تعاني منها العاصمة السعودية، تحرمها أحياناً من مشاريع كبيرة، بسبب تعقيدات عند منح التأشيرات أو تقديم التسهيلات. أرادت دولة الإمارات أن تكون دبي أو أبوظبي مقراً لهذا البنك الموصوف «غنياً» قبل ولادته، باعتباره يمثل دولاً خليجية نفطية، ما قد يجعله البنك الأكبر حجماً بعد بنك الاتحاد الأوروبي. ويعتقد اقتصاديون ان انسحاب الإمارات من العملة النقدية الخليجية المزمع إطلاقها في 2010، خسارة تحسب عليها لا لها، خصوصاً أنها أكثر دول الخليج تأثراً بالأزمة المالية العالمية، إضافة إلى ان «الديموغرافيا» الإماراتية تحتاج إلى حسبة مختلفة، في ظل طغيان السكان الأجانب على المواطنين. تَحَفُظْ المسؤولين الإماراتيين عن التعليق، بعد الخبر الذي بثته وكالة الأنباء الإماراتية الرسمية على لسان مصدر مسؤول، يفيد بانسحابها من العملة النقدية، حتى خرج وزير الخارجية الشيخ عبدالله بن زايد من لاتفيا (إحدى جمهوريات البلطيق الثلاث، ودول الاتحاد الأوروبي)، بتصريحات يمكن وضع علامة استفهام أمامها، كونها تختلف عن مسلك أبوظبي، ودعمها الدائم لكل إجماع خليجي، إيماناً منها بالعمل المشترك، لما من شأنه مصلحة مواطني دول المجلس. اعتقد انه كان يمكن للإمارات الجهر لشقيقتها الكبرى السعودية بعدم قبولها استحواذها على مقر البنك، مرفقاً بمسوغات ومبررات واضحة، لكن لا يمكن في الوقت نفسه القبول بالقفز على الإجماع، طالما كانت هناك أربع دول من أعضاء المجلس تؤيد وجود المقر في الرياض، بخلاف دولة واحدة وهي الإمارات، حتى وان كانت أول من تقدم بطلب استضافة البنك. يحق للإماراتيين العتب على أشقائهم، لكن لا يحق لهم إملاء شروط أو محاولة فرضها. يلاحظ في جزء من تصريحات عبدالله بن زايد تناقض خجول، فعندما يقول ان بلاده ستُبقي الباب مفتوحاً، ثم يؤكد في المقابل أنها غير مهتمة في الوقت الراهن بالانضمام إلى الوحدة النقدية، لكنه على رغم ذلك يظهر ضوءاً من التقارب قبل التباعد بقوله: «لا أقول إن الباب قد أقفل، لا شيء ينتهي في السياسة»، وربما في ذلك رد ديبلوماسي «غير مباشر» على من تحدثوا عن انقسام خليجي، باعتبار هذا الانسحاب بداية النهاية لمجلس التعاون. لا شك في ان فكرة انسحاب الإمارات «غير إيجابية»، خصوصاً أنها أعلنت في السابق إيمانها بالوحدة النقدية الخليجية، ورغبتها في الاستمرار في دعم عمل المجلس نحو تحقيق طموحات الكيان الخليجي، لما فيه مصلحة شعوب لها لغة واحدة، ودين واحد وثقافة واحدة، وعادات وتقاليد واحدة، وتربطها مصالح واحدة، وعلاقات دم وجيرة قبل تحفظ وحيرة. ويبقى سؤال مهم: لو كان الشيخ زايد آل نهيان - يرحمه الله - على قيد الحياة، فهل كانت الإمارات ستنسحب من هذا التكتل الخليجي الاقتصادي والمالي المهم؟ أم أنه كان سيبقى ركناً أساسياً مؤسساً، حتى وإن كانت لديه تحفظات؟ لقد كان زايد شيخاً وزعيماً وعرّاباً للوحدة والاتحاد، ومن عاصمة بلاده أعلن عن إنشاء مجلس التعاون الخليجي في منتصف العام 1981. اعتقد ان الإمارات ستفقد قيمة مضافة إلى اقتصادها عند بدء العمل الفعلي بالوحدة النقدية وتشغيل المصرف الخليجي، ما سيمنح الأعضاء المؤسسين، موقعاً تفاوضياً أفضل مع الشركاء العالميين، وسيوفر لهم فرصاً مالية واقتصادية وتجارية واستثمارية أكبر وأكثر ثقلاً، فليس من يناقش وحيداً مثل من يفاوض ضمن منظومة جماعية منسجمة العمل والأداء والقرار، في ظل توجه عالمي نحو بناء تكتلات واندماجات اقتصادية جديدة.