يبدو الصيف في اليمن وقد خلا تقريباً من الطابع الاجتماعي الذي يتصف به في بقية البلدان ومن ذلك الاهتمام العام بالإجازة والتخطيط لكيفية قضائها. على العكس من ذلك يأتي فصل الصيف في اليمن ويمضي سريعاً من دون جلبة، وكأنه مجرد «سحابة صيف». ومثلما هو الصيف زئبقي كذلك هي الأزمة المالية العالمية وتأثيراتها سلباً وإيجاباً. والراجح ان الوضعية الخاصة لليمن والتي تجعله غير مندمج تماماً في الاقتصاد العالمي وراء تمايز هذا البلد الذي قلما أبدى اكتراثاً بما يعتمل حوله. وثمة من يرى أن بلد «واق الواق» وهي الصفة التي خلعها عليه الكاتب اليمني الراحل محمد محمود الزبيري ليعبر عن العزلة التي كان يعيشها اليمن حتى منتصف القرن الماضي لم تمح تماماً. واللافت هو التشابه الكبير في دلالات الإجازة والأزمة المالية عند كثير من الشباب اليمني. طلاب وطالبات المدارس والجامعات الذين يفترض أن تمثل العطلة بالنسبة إليهم خلاصاً من قيود الدروس لم يعد يحفل معظمهم كثيراً بمعنى الإجازة. بل ثمة من يشعر بالحسرة لمجرد انه سينقطع عن الجامعة. فبحسب ما يروي فارس (21 سنة) الطالب في كلية الآداب في جامعة صنعاء أن الإجازة باتت تشعره بالسأم نظراً الى عدم وجود أجواء مرح قريبة من تلك التي تتوافرعليها لقاءاته بزملائه وزميلاته في الجامعة. ويلفت الى قتامة المدينة اليمنية وخلوها من أية فرصة لقضاء وقت ممتع. وباستثناء هطول المطر وارتفاع درجة الحرارة في المناطق الساحلية ما يدفع بعض شبان المدن الساحلية مثل عدن الى القيام برحلات الى مناطق معتدلة مثل صنعاء، لا سمة تميز الصيف وبخاصة على صعيد النشاطات الاجتماعية. ويبدو أن تنوع تضاريس البلد ما يجعل الربيع حاضراً على مدار العام كما يحلو للبعض وصف مناخ اليمن، هو من الأسباب التي تقلل من الاهتمام بمعنى إجازة الصيف. ويرى المرشد الاجتماعي نبيل سلام أن مفهوم الإجازة ينتمي الى ثقافة اجتماعية مختلفة والى الغرب بخاصة حيث الفروق كبيرة وواضحة بين الشتاء والصيف علاوة على الدقة والنظام اللذين يسمان حياة الإنسان الغربي. في حين تسود الفوضى واللامبالاة حياة اليمنيين. «فالفرق بين يوم الإجازة ويوم العمل باهت وطفيف». يضاف الى ذلك، بحسب سلام، عدم وجود طبقة برجوازية ذات ثقافة تقدر معنى التمتع وتشتهيه. مشيراً الى ان غالبية أثرياء اليمن تقليديون. وحقيقة الأمر أن قضاء الإجازة الصيفية سواء في الداخل أم في الخارج لم يتبلور بعد كتقليد راسخ. كما أن الأزمة المالية لم تترك أثراً كبيراً على حياة اليمنيين لا سلباً ولا إيجاباً. وباستثناء انخفاض أسعار النفط الذي يشكل المورد الرئيس للاقتصاد اليمني لم تتأثر القطاعات الاقتصادية الأخرى ولم يحدث أن شهدت شركة ما إفلاساً أو قلصت من عدد عامليها. وحين تردد أن الحكومة في صدد تسريح 100 ألف موظف سارعت الخدمة المدنية الى نفي ذلك. وبات البعض يستغرب ان تنخفض الأسعار عالمياً باستثناء اليمن حيث ما زالت الأسعار على وضع ما قبل الأزمة. وقالت منى ناجي (26 سنة) انه وعلى رغم عروض التخفيضات الصاخبة التي تقدمها المراكز التجارية لم تزد الحسومات في حقيقة الأمر على 10 في المئة. وثمة من ينفي وجود أزمة عالمية ويشكك في حقيقتها. وقال عبود (28 سنة) ان الأزمة المالية مجرد أكذوبة رأسمالية تستهدف شفط أموال الخليجيين وخفض أسعار النفط. ويسخر عبود من الحكومة اليمنية التي قالت انها اتخذت إجراءات تقشفية حين «نجدها تنفق بإسراف على البهارج والاحتفالات». وكان كبار المسؤولين الحكوميين اعتادوا ان يسافروا في الصيف هم وعائلاتهم الى بلدان عربية أو أجنبية على حساب الحكومة تحت غطاء مهمات عمل أو دورات تدريبية. وزير المال السابق سيف العسلي شكك في إمكان أن تلتزم الحكومة بتنفيذ قرارها بخصوص الحد من الإنفاق. ويبدو أن ضآلة الاستثمارات الأجنبية في اليمن وراء محدودية تأثير الأزمة العالمية. والأرجح ان اللامبالاة الرسمية والشعبية على السواء ما زالت سمة بارزة في سلوك اليمنيين. وبات واضحاً ان الإجازة التي يوليها اليمنيون اهتماماً كبيراً ويخططون لها هي إجازة الأعياد الدينية مثل الفطر والأضحى وبالذات حين يتصادف العيد مع موسم الشتاء. وتفيد الاحصاءات الرسمية أن عدد الذين يقضون إجازة العيد في مدن ساحلية مثل عدن يفوق المليون شخص.