وسط دمار غير مسبوق.. اللبنانيون يستعجلون العودة لمنازلهم    هيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية ترصد ممارسات صيد جائر بالمحمية    التدريب التقني تمنح 63 رخصة تدريب لمنشآت جديدة في أكتوبر الماضي    استقرار الدولار الأمريكي قبيل صدور بيانات التضخم    الأمم المتحدة تدعو إلى تحرك دولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني    الشتاء يحل أرصادياً بعد 3 أيام    عامان للتجربة.. 8 شروط للتعيين في وظائف «معلم ممارس» و«مساعد معلم»    الفالح: المستثمرون الأجانب يتوافدون إلى «نيوم»    وصول الطائرة الإغاثية ال24 إلى بيروت    التعاون والخالدية.. «صراع صدارة»    الملك يتلقى دعوة أمير الكويت لحضور القمة الخليجية    الهلال يتعادل إيجابياً مع السد ويتأهل لثمن نهائي "نخبة آسيا"    في دوري يلو .. تعادل نيوم والباطن سلبياً    السعودية وروسيا والعراق يناقشون الحفاظ على استقرار سوق البترول    أمير تبوك: نقلة حضارية تشهدها المنطقة من خلال مشاريع رؤية 2030    أمير الرياض يطلع على جهود "العناية بالمكتبات الخاصة"    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    أربعة آلاف مستفيد من حملة «شريط الأمل»    «فقرة الساحر» تجمع الأصدقاء بينهم أسماء جلال    7 مفاتيح لعافيتك موجودة في فيتامين D.. استغلها    الزلفي في مواجهة أبها.. وأحد يلتقي العين.. والبكيرية أمام العربي    اكتشاف كوكب عملاق خارج النظام الشمسي    «شتاء المدينة».. رحلات ميدانية وتجارب ثقافية    مشاعر فياضة لقاصدي البيت العتيق    أنشيلوتي: الإصابات تمثل فرصة لنصبح أفضل    حدث تاريخي للمرة الأولى في المملكة…. جدة تستضيف مزاد الدوري الهندي للكريكيت    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    شركة ترفض تعيين موظفين بسبب أبراجهم الفلكية    «هاتف» للتخلص من إدمان مواقع التواصل    مبدعون.. مبتكرون    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    هنآ رئيس الأوروغواي الشرقية.. خادم الحرمين الشريفين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    الرياض الجميلة الصديقة    سيتي سكيب.. ميلاد هوية عمرانية    المملكة وتعزيز أمنها البحري    معاطف من حُب    الدكتور عصام خوقير.. العبارة الساخرة والنقد الممتع    جذوة من نار    لا فاز الأهلي أنتشي..!    أكد أهمية الحل الدائم للأزمة السودانية.. وزير الخارجية: ضرورة تجسيد الدولة الفلسطينية واحترام سيادة لبنان    هؤلاء هم المرجفون    كيف تتعاملين مع مخاوف طفلك من المدرسة؟    اكتشاف علاج جديد للسمنة    السعودية رائدة فصل التوائم عالمياً    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    نوافذ للحياة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيمن مزيك: حظر النقاب سيؤدي إلى حبس النسوة في بيوتهن .. وأدعو النساء لتركه!
نشر في الحياة يوم 02 - 11 - 2010

المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا هو اتحاد يضم في عضويته 19 منظمة إسلامية، ويتبع هذه المنظمات حوالى 300 مسجد، وفيه مسلمون من الأتراك والعرب والألمان والألبان والإيرانيين والبوسنيين وغيرهم، وكذلك من السنة والشيعة، وكل المذاهب الإسلامية.
ويحرص المجلس على أن يمثل الإسلام باعتباره جزءاً من المجتمع الألماني، وعلى ترسيخ وجوده من خلال العمل على الاعتراف به، وعلى توفير حاجات المسلمين؛ لممارسة شعائر دينهم.
ويشدد المجلس على ولائه للدستور الألماني وانتمائه إلى هذه البلاد، ورفضه التبعية لأي حكومة أجنبية، واستقلاله عن أي منظمة أو أيديولوجية أو حركة أو أي حزب سياسي أو جمعية مصالح.
ويرى المجلس أنه لا يقبل تحريف الإسلام، بل يريد «فهماً معاصراً للمصادر والمراجع الإسلامية، تراعي خلفية المشكلات الحياتية الحديثة وتشكيل هوية إسلامية مستقلة في أوروبا».
الرئيس الجديد للمجلس أيمن مزيك هو الشاب الذي تربى في ألمانيا على الثقة بالنفس، والاعتزاز بإسلامه، والقدرة على التعامل المحترف مع الإعلام الألماني، ليردَّ بدهاء وسرعة بديهة وبحجج قوية على كل من ينتقد الإسلام، ولا يتورع عن تصحيح مسار السياسة الألمانية، كما فعل حين وجَّه النصائح للمستشارة الألمانية، بضرورة مساندة المسلمين ضد تيار الإسلاموفوبيا، ويتحدث للمجتمع الألماني بمنطقهم نفسه، ببساطة شديدة؛ لأنه واحد منهم ... فإلى تفاصيل الحوار:
ما الهدف الأهم والأول للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا؟ وما مدى اقترابكم من تحقيقه؟
- الهدف الأهم والأول هو توحيد المسلمين الذين ينتمون إلى أجناس ولغات مختلفة، تحت راية واحدة، هي راية الإسلام، على رغم النظريات المختلفة، وهذه الرابطة هي أقوى من الفوارق والعصبيات والمسميات بكثير، وقد لمسنا هذا جيداً مع الأخوة الأتراك والألمان والفرس والبوسنيين، وغيرهم، في السنين الماضية والتي يحسدنا عليها كثير من الناس، ويحاربوننا عليها في تجمع المسلمين على كلمة واحدة وشعور واحد، وقد خطونا خطوات كبيرة في هذا المجال ولن نتراجع عن هذا أبداً مهما كلفنا الأمر من تضحيات، وهي مهمة ليست سهلة أبداً، يقول الله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا».
كما أنني أرى أنه من المهم جداً أن نزيد من الكفاءات الموجودة لدينا في المجلس في العلوم الشرعية، علماً بأن لدينا (مجلس الفتوى)، والذي يقوم بدور نشط ومهم ، ولكننا نسعى لزيادة هذا الدور، حتى يسهم في القضايا المطروحة على الساحة الألمانية مثل إنشاء كراسي جامعية لإعداد أئمة المساجد، وتدريس التربية الإسلامية في المدارس.
علاوة على ذلك فإن هناك الهدف القديم والمعروف، وهو مسألة اعتراف الدولة الألمانية بالديانة الإسلامية، والذي لم نتقدم فيه كثيراً حتى الآن، بسبب تعنت الساسة في هذا الشأن.
بالنسبة للهدف الأول من زيادة الكفاءات في العلوم الشرعية، لقد أعلنتم هذا العام نهاية شهر رمضان، قبل الدول العربية بيوم، ولم تتبعكم المساجد التي تؤمها الجاليات العربية، أي أن غالبية المساجد في ألمانيا ما زالت تتبع الفتاوى التي تصدر في بلادها، ولا تلتزم بما يصدر عن (مجلس الفتوى) التابع لكم؟
- هذه نقطة مهمة، ولكنني أراها بصورة مختلفة، فإن غالبية المسلمين في ألمانيا هم من الأتراك، ولذلك فإن الرؤية في الدول العربية، ليست العنصر الحاسم بالنسبة لمسلمي ألمانيا، وهناك أمر يجب توضيحه للقارئ العربي، وهو أن العرب لا يمثلون إلا نسبة ضئيلة من مجموع مسلمي ألمانيا، كما أن هناك (مجلس التنسيق الإسلامي الأعلى)، الذي يضم أربعة اتحادات إسلامية كبرى، من بينها المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، وقد استطاع منذ عامين أن يوحد بداية رمضان ونهايته، بالنسبة للغالبية العظمى من مسلمي ألمانيا، الذي قد يختلف عن رؤية الهلال في مصر أو السعودية أو المغرب.
إننا نسير على الطريق الصحيح على الأقل بالنسبة لألمانيا، عندما نتمكن من توحيد الأعياد، على رغم انتقاد البعض بعدم وجود قيادة مشتركة للمسلمين، كما أننا نقوم سوياً بالاحتفال بمناسبة (يوم المسجد المفتوح)، في الثالث من تشرين الأول (أكتوبر)، من كل عام، حيث نفتح المساجد أمام جمهور الزوار من الألمان من غير المسلمين.
ما الذي يعنيه عدم اعتراف الدولة الألمانية بالديانة الإسلامية، أو ما يسمى بلغة القانون الألماني عدم اعتبار الإسلام (مؤسسة حق عام)؟
- انظر، في دول مثل مصر أو سورية أو حتى في السودان، هناك أقليات مسيحية، لها حقوق، مثل تخصيص ساعات لهم للبث الإذاعي والتلفزيوني، وهذا الأمر غير موجود في ألمانيا، على رغم أن القانون الأساسي (الدستور الألماني) ينص على المعاملة بالمثل، والمساواة بين الجميع بغض النظر عن دينهم، ولكن على رغم ذلك فإن التيار السياسي السائد في ألمانيا لا يتقبل ذلك، ويتداخل ذلك مع التوجه العام في التعامل مع الإسلام، والعداء للإسلام، والخلط بين العنف والإرهاب والإسلام، علاوة على الدور السلبي لحركة التطرف اليميني، فنجد مثلاً السياسي الهولندي المعروف بعدائه للإسلام جيرت فيلدرز، قد وصل إلى برلين قبل يومين للمشاركة في تأسيس حزب (الحرية) الألماني، المعادي للإسلام، ولتقديم الدعم لهذا الحزب. من أجل كل ذلك أقول إنه آن الأوان ليقوم السياسيون الألمان بوضع النقاط فوق الحروف، واتخاذ خطوات فعلية بشأن مسألة الاعتراف بالدين الإسلامي.
ولا تزال هناك عقبات في هذا المجال، لكننا مصممون على السير إلى الأمام حتى نهاية المطاف، وهذا شيء طبيعي، لأنه لا بد من بذل جهود كبيرة وصبر على هذا الطريق، وبخاصة في بلد مثل ألمانيا، التي عانى المسيحيون البروتستانت فيها معاناة شديدة، وفي النهاية اعترفت بها الكنيسة الكاثوليكية، واستطاعوا أن يوحدوا إمكاناتهم وأن يقضوا على خلافاتهم والصراعات القديمة بينهم، وهذا يعطينا درساً، بإمكان تحقق الاعتراف بالإسلام إذا توحدت الجهود، وكان هناك احترام للرأي والرأي الآخر بين المسلمين هنا في ألمانيا.
هل المسلمون في ألمانيا متنازعون؟
- هذا سؤال عام جداً.. إذا نظرنا إلى العشرين عاماً الماضية، تجد أننا قطعنا شوطاً كبيراً على طريق توحيد المسلمين في ألمانيا، ولكن ما زال هناك الكثير مما يجب أن نقوم به. إذا تحدثنا عن القضايا الشرعية، نجد نقاط التقاء كثيرة، مثلاً في موضوع تدريس التربية الإسلامية في المدارس الألمانية، أجدني على قناعة بأننا سنستطيع التوصل إلى اتفاق مع الشيعة حول إعداد المناهج، مع مراعاة اختلاف المذاهب. لكن ما نعيشه هو اختلاف في الثقافة السياسية، فالبعض هنا يركز على الوطن الأصلي، مثل تركيا، وآخرون يتبنون توجهاً إسلامياً متأصلاً في ألمانيا، ونحن في المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، الوحيدون الذين يعلنون ذلك صراحة، وهو ما يجعلنا مختلفين عن الآخرين، علما بأن مجلسنا يحرص على التعدد العرقي في مكوناته، ويلعب العرب فيه دوراً مهماً. إنني متفاءل جداً بأننا سنحقق وحدة المسلمين في ألمانيا، ولن تكون القضايا الشرعية عائقاً أمام ذلك.
وللأسف ما زال هناك بعض التنازع بين بعض المسلمين، لعدم توافر الرؤية الصحيحة في بعض الأحيان، وهذا له علاقة بالفهم الصحيح للإسلام والثقافة الإسلامية أولاً، والثقافة والوعي عامة ثانياً، وكلنا يعلم أن الإسلام يحارب التطرف والعنف ويدعو إلى الخير والتآلف.
الإسلام الأوروبي
هل يوجد ما يسمي ب «إسلام أوروبي» أو «إسلام ألماني»؟
- مصطلح (الإسلام الأوروبي) له دلالات سلبية، ويعطي انطباعاً بأنه (إسلام لايت أو إسلام مخفف)، وهذا ما لا نريده على الإطلاق، نريد إسلاماً مطبقاً بطريقة صحيحة، إسلاماً قائماً على المعرفة المتعمقة بالدين، ولهذا فإن مثل هذا المصطلح غير مناسب، لكنّ الإسلام والمسلمين كانوا متأثرين طوال 1400 سنة، بالصبغة الاجتماعية والثقافية وتبعاً لكل بلد، فالمسلمون في إندونيسيا يؤمنون بقواعد الإسلام الخمس، وبمبادئ الإيمان الستة، لكنهم استطاعوا أن يحققوا بعض الاستقلالية في فهمهم للإسلام، و الأمر نفسه يمكن قوله على الإسلام في آسيا الوسطى، وسمرقند، أو في العالم العربي، مهبط الوحي، أو في البوسنة، أو تركيا. هذا شيء قابل للتصور أيضاً بالنسبة لألمانيا، أو في العالم الغربي، حيث يوجد المسلمون منذ ثلاثة أو أربعة أجيال.
فالمسلم أخو المسلمة، والمسلمة أخت المسلم، مهما كانت جنسيتهما ومذهبهما، طالما يشهد كلاهما بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً عبدالله ورسوله.
هل تقصد أن هناك مكوناً ثقافياً في فهم الدين الإسلامي؟
- طبعا، هذا الأمر كان موجوداً منذ 1400 سنة، وهناك قناعة بذلك عند الجميع، بمن فيهم علماء الدين، وهو أمر ملموس في كل منطقة ينتشر فيها الإسلام، وهو عملية طبيعية يقوم بها المسلمون بصورة تلقائية، دون أن يفرض عليهم أحد ذلك، ودون إملاء من سياسي، يقول لهم كيف ينبغي عليهم أن يفهموا دينهم الإسلامي.
هل يستطيع المسلمون أن يدعموا علاقاتهم بموطنهم الأصلي، من دون أن يتهمهم أحد بازدواجية الولاء، كما يفعل يهود ألمانيا حين يدافعون عن إسرائيل؟
- إنني أنادي بذلك بوضوح، لأن عالمنا الكوني، متعدد الجذور، وله أصول مختلفة، ويمثل ذلك إثراء للجميع، لذلك فإننا عندما نتكلم عن الإسلام في ألمانيا، لا نقصد إطلاقاً الانفصال عن جذورنا، أو قطع الجسور مع العالم الإسلامي، على العكس من ذلك، إنني أؤيد أن نعمق ذلك في مجال العلوم والثقافة والتبادل الطلابي، ومن الطبيعي تماماً أن يقوم مسلمون ألمان بالتواصل مع مسلمين من مصر أو السعودية أو غيرها من الدول الإسلامية، ويتمكنوا من القيام بمشاريع مشتركة، مستفيدين في ذلك من تنوعهم الثقافي، هذه هي الرؤية المستقبلية التي أتكلم عنها، وأرى أنها في مصلحة الجانبين.
المسلم هو مواطن ولا تفصله الحدود الوضعية، لأنه ينظر إلى أبعد من هذا بكثير، فهو أينما حل يعُد أن هذا الوطن وطنه، لأنه ملك لله، ومآله إلى الله، كما أنه مطالب بمد الجسور بينه وبين الشعوب الأخرى، ولا بد من أن يدعم علاقاته مع موطنه، لأن حب الوطن من الإيمان، وكما أن المسلم الذي وُلِد في ألمانيا يحب وطنه، وليس في ذلك أي تعارض مع مد الجسور والعلاقات الطيبة، وبخاصة مع ما يسمى بالعالم الإسلامي الآن، فكل البلاد من الناحية الدينية بلاده، ولكن لا شك في أننا لا ننسى مقدساتنا وثالث الحرمين الشريفين، حيث يوجد القدس الشريف، لأن القدس وفلسطين جزء مهم جداً من عقيدتنا، وكما ورد في سورة الإسراء، ولن نتخلى عنه أبداً، حتى لو تخلت عنه كل الدنيا.
هل ما زالت التركيبة (ألماني ومسلم) غريبة، أم أصبح المسلمون جزءاً بديهياً في المجتمع الألماني؟
- إذا قارنّا الوضع مع إنكلترا أو أميركا، فلا بد من الاعتراف بأن المسلمين لم يصبحوا بعد جزءاً بديهياً في المجتمع الألماني، وما زال البعض ينظر إليهم بتوجس وبصورة سلبية، وأشير هنا إلى كيفية الحديث عن الألمان الذين اعتنقوا الإسلام، والذين ينظر إليهم البعض باعتبارهم نشازاً، وأنهم ارتكبوا شيئاً شنيعاً، وينسون أن هؤلاء قدموا لبلادهم الكثير، ولدينا في المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، أكبر عدد من المسلمين من حاملي وسام الاستحقاق الألماني، أي أننا جزء من هذا المجتمع، حتى ولو كان البعض ينظر إلينا باعتبارنا (أشخاصاً منبوذين). إنه أمر مؤسف أن تسود هذه الصورة، بدلاً من النظر إلينا كأشخاص يبنون جسوراً للتواصل، ولديهم قدرات تجب الاستفادة منها.
هل يلاحظ المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا التطورات التي تجري في المملكة؟ وهل يرى أنها يمكن أن تؤدي إلى تعزيز التعاون مع ألمانيا، مثلاً في مجال إعداد الأئمة في الجامعات الألمانية، أو وضع المناهج للتربية الدينية الإسلامية في المدارس؟
- إننا نراقب باهتمام بالغ ما بدأ في المملكة منذ سنوات عدة، على يد الملك عبدالله بن عبدالعزيز، من دعم كبير للحوار بين الأديان، وأشير هنا إلى المؤتمر الدولي في مدريد، وكذلك المؤتمر المنعقد في مكة المكرمة، والذي اجتمع فيه علماء المسلمين من كل أنحاء العالم، للتحدث عن الرؤية المستقبلية لآفاق هذا الحوار، الذي سوف يستمر إن شاء الله، بعد أن رفع الملك عبدالله لواءه. إننا نرحب بذلك، ونوقن بأنه ستكون له انعكاسات إيجابية هنا أيضاً على الحوار في ألمانيا.
ما رأيك في حديث رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان مع مواطنيه الأتراك في ألمانيا، حين حذّرهم من عواقب الذوبان في المجتمع الألماني؟
- لقد أشرت إلى أهم نقطة بوضوح في صياغتك للسؤال، وهي أن رئيس الوزراء التركي، جاء إلى هنا ليتحدث مع أبناء شعبه، أي أن الأمر يتعلق بمواطنين أتراك وليسوا ألمان، والسبب في شعور هؤلاء بأنهم أتراك، أن الكثيرين ما زالوا بعد عشرات السنين لا يرون في ألمانيا وطنهم، على رغم أنهم ينتمون إلى الجيل الذي كان من المفترض أن يشعر بأنه ألماني.
وحين يجد أردوغان إستاد كرة مكتظاً عن آخره بمواطنيه الذين ينتظرون حديثه، فإن ذلك يمثل صفعة على وجه سياسة الاندماج الألمانية، التي لم تفلح في كسب ود هؤلاء، حين يخاطب السيد أردوغان أشخاصاً ألمانيين من أصول تركية، فإنه لن يخاطبهم قائلاً: «المواطنون الأعزاء»، بل سيقول عندئذ: «أيها المسلمون في ألمانيا، إنكم جزء من هذا البلد، ولكن لا تنسوا جذوركم، ودعونا نبني جسوراً بين البلدين»، لقد عجزت ألمانيا عن تبنّي سياسة الاعتراف بجهود هؤلاء.
هل يطلب منكم البرلمان الألماني الاتحادي تقديم المشورة في مشاريع القوانين؟
- نعم، تتم دعوتنا لجلسات الاستماع في البرلمان، إذا تعلق الأمر بالإسلام، لكن من المهم للقراء العرب أن نوضح لهم أن القضايا الدينية يتم البت فيها على مستوى المحليات، في الولايات المختلفة، وليس على المستوى الاتحادي في برلين، وتقرر كل من الولايات الألمانية الست عشرة، هذه القضايا الدينية مثل إعداد الأئمة وتدريس التربية الإسلامية والرعاية الدينية في السجون والمستشفيات، وتتفاوض مع المنظمات الإسلامية، وتوقع الاتفاقات معها.
ما رأيك في وجود مدارس عربية وإسلامية في ألمانيا، مثل أكاديمية الملك فهد في بون وبرلين أم تفضل نموذج مدرسة ميونيخ، التي تلتزم بالمنهاج الألماني كاملاً مع إضافة حصص في اللغة العربية والتربية الإسلامية؟
- إنني أؤيد كل التصورات التي تجمع بين المناهج المختلفة، لأن هناك سلطات تعليمية تشرف على العملية التعليمية، ولا توجد مدارس خاصة لا تشرف عليها هذه السلطات، أي أن كل المدارس ومنها أكاديمية الملك فهد في بون وبرلين، تخضع لإشراف السلطات التعليمية الألمانية المختصة، ولا توجد في منطقة رمادية، بعيداً عن هذا الإشراف، هذه هي النقطة الأولى.
النقطة الثانية هي أن كل أمة ذات ثقافة، والعالم العربي بالتأكيد هو إحدى هذه الأمم الثقافية، كل أمة تعمل على نشر ثقافتها، فألمانيا تعمل من خلال معاهد جوته والمدارس الألمانية في الخارج، على نشر اللغة الألمانية وثقافتها في العالم، وسواء كنتَ في اسطنبول، أو في القاهرة، أجد مدارس ألمانية، أسجل فيها أطفالي، ولا يتم النظر إلى هذه المدارس الألمانية باعتبارها عائقاً أمام الاندماج، بل على العكس، نجد في هذه المدارس حصصاً للغة العربية، أو للغة الأم للدولة المضيفة، إلى جانب تدريس المنهاج الألماني العادي، وينطبق هذا الأمر على المدارس الثانوية التركية، أو المدارس العربية، بخاصة إذا كانت مخصصة لأبناء العاملين في السفارات، وإذا كانت الأمم ذات الثقافة تفعل ذلك في العالم كله، فلماذا لا ينبغي على العرب أو الأتراك أن يقوموا بالشيء نفسه؟
الاتهام الموجه للاتحادات الإسلامية الكبرى مثلكم، بأنكم تمثلون مساجد ومنظمات، ولكن لا تمثلون القاعدة العريضة من الأفراد المسلمين كيف تعلق عليه؟
- هذا اتهام لا علاقة له بالواقع، فهناك في ألمانيا 2600 مسجد، بعضها مساجد ضخمة، وبعضها مصليات وزوايا صغيرة، ومجلس الإسلام التنسيقي الأعلى الذي يضم أربعة اتحادات كبرى، أحدها المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، يمثل حوالى 85 في المئة من هذه المساجد، علماً بأن الحياة الإسلامية، تعيش داخل المساجد، وليس في المقاهي ولا في محطات القطارات.
السلبية والصمت
يتهمنا البعض بأننا سلبيون، وأننا نلتزم الصمت إذا جرى الاعتداء على الكتب المقدسة للمسيحيين أو عند اختطاف رهائن مسيحيين في العراق مثلاً، وضرب أعناقهم، في حين قام مسيحيون بالاحتجاج على خطط القس الأميركي بحرق نسخ من المصحف الشريف... فهل هذا الاتهام صحيح، وهل قمنا بأي خطوة تضامنية معهم؟
- بالنسبة لموضوع حرق المصحف، أود أن أذكُر لك أن محكمة من جنوب أفريقيا حظرت على رجل أعمال حرق نسخ من الإنجيل، رداً على ما أعلنه القس الأميركي، مع العلم بأن الدعوى المرفوعة على رجل الأعمال هذا، جاءت من منظمة إسلامية، رفضت القيام بهذا الفعل، وهو قرار أتمنى أن أرى مثله في ألمانيا، إنني أؤكد أن المسلمين لا يلتزمون الصمت تجاه أي اضطهاد أو تجاه فرض قيود على حرية العقيدة أو حرية ممارستها، ولكن وسائل الإعلام الألمانية لا تنشر ذلك على الرأي العام، وقد عبّرنا في المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا مرات عدة عن رأينا في مثل هذه الأمور، ومن المهم بمكان أن أشدد على أننا - ونحن مواطنون ألمان - نركز على ألمانيا، ولا يمكن تحميلنا مسؤولية ما يحدث هنا أو هناك في العالم.
لماذا يلتحق أطفال الأجانب بالمدارس المهنية المتوسطة، ويلتحق أبناء الألمان بالمدارس الثانوية العامة المؤهلة للالتحاق بالجامعة؟
- لقد قلت لك إن الغالبية العظمى من مسلمي ألمانيا هم أبناء العمال البسطاء القادمين من المناطق النائية في تركيا، وهؤلاء القادمون لم يكونوا مثقفين أو متعلمين، بل كان بعضهم أمّياً، على عكس الوضع في الولايات المتحدة الأميركية، حيث كانت الغالبية هناك من الأكاديميين، الذين أنهوا دراستهم الجامعية أو الدراسة العليا، فأصبحوا الآن ينتمون إلى الطبقة الوسطى، بل بلغ بعضهم قمة الطبقة الوسطى.
أما في ألمانيا، فالوضع يشبه اللاجئين الجزائريين إلى فرنسا، وأرى أن الوضع في ألمانيا سيحتاج إلى أجيال، وعلى رغم اعترافنا بمشكلة التعليم داخل الجالية المسلمة، فإنه لا بد من الإشارة إلى أن هناك اليوم الكثير من الأتراك وغيرهم من المسلمين الذين درسوا في الجامعة، على رغم أن أهلهم أميون، وحققوا بذلك قفزة كبيرة إلى الأمام.
لكن هناك أيضاً قصور في النظام التعليم الألماني في التعامل مع المهاجرين. أليس كذلك؟
- نعم، أنا من مواليد 1969، ولمست كيف كان التعامل مع الأطفال الأتراك، الذين كان الجميع ينظر إليهم وكأنهم مخلوقات من عالم آخر، عندما يتحدثون بلغة أخرى، مع العلم بأنه أصبح اليوم بديهياً أن يتقن الطفل أكثر من لغة، وفي عالمنا الكوني الآن نعرف أن إتقان المزيد من اللغات، يعني قدرات إضافية، ولذلك يتربى الأطفال على التعددية اللغوية منذ الصغر، واليوم هناك محاولات لإصلاح الوضع، من خلال تدريس اللغة الأصلية لأطفال المهاجرين في المدرسة الألمانية، بل توجد مدارس ثانوية تقدم اللغة التركية أو العربية لغةً أجنبية ثالثة لجميع طلابها، وهذا هو الطريق الصحيح.
هل يحق لجندي مسلم يخدم في الجيش الألماني، أن يشارك في حملات الناتو في أفغانستان، ويقوم برفع السلاح على محاربين يدينون بالإسلام مثله، سواء كانوا طالبان أو غيرهم؟
- أعرف جنوداً مسلمين موجودين في أفغانستان، والأمر يتعلق بالمهمة المنوطة بهذه القوات، والأهداف الاستراتيجية المرجوة من مشاركتها هناك، طبعاً هذه حال صعبة وليست سهلة، ولكنني أعلم من خلال علاقاتي بضباط ألمان، أن الجيش الألماني لا يفرض على المجند المسلم أن يتوجه إلى أفغانستان، ويسمح له بأن يعرب عن رأيه، أو أن يؤدي الخدمة المدنية بدلاً من الخدمة العسكرية، إن أراد.
يدور الحديث عن مخاطر ناجمة عن (أسلمة ألمانيا)... فهل هذا وصف مبالَغ فيه؟
- إنني لا أستطيع التعامل مع هذا المصطلح، بالنسبة للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أعلنّا مراراً وتكراراً ولاءنا للدستور الألماني، والحديث عن (أسلمة ألمانيا) لا علاقة له بالواقع، فالمسلم يريد في المقام الأول أن يعيش في سلام وانسجام في المجتمع المحيط به، وهذا هدفه الأول والأهم، وإن التعايش السلمي بين الثقافات والأديان هو أحد أهم مبادئ الإسلام.
وقد ورد ذلك في مواضع عدة في القرآن، مثل قوله تعالى: «يا أيها الناس إنا جعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)، وقوله: (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)، أي أن التعددية في الخلق هي من إحدى ركائز البشرية، والسعي لتغيير ذلك ليس من الإسلام في شيء، لأن الله يريد هذه التعددية، وهي شيء إيجابي، والقوانين السارية في ألمانيا لا تتعارض مع ذلك، ولكن بعض الساسة الألمان لا يستطيعون فهم هذا التنوع في بعض الأحيان، وعلينا أن نقوم بعملية بإصلاح لهذا الوضع.
هل تفهم الشعور السلبي للألمان ضد النقاب؟
- طبعاً، وأنا أيضاً عندي بعض التحفظات على ارتداء النقاب، لكن ذلك لا يجعلني أتدخل في حق كل إنسان في تقرير مصيره، أو أن أقلل من هذا الحق، لكني أطالب المسلمات المقيمات في ألمانيا بعدم ارتداء النقاب، لأنه يعطي سلسلة من الانطباعات الخاطئة، وتتعرض النساء المرتديات النقاب إلى مضايقات، ولا سيما أن هوية المسلمة تظهر من حجابها، حتى ولو كشفت عن وجهها، ولكن حظر النقاب بالقانون ليس هو الوسيلة الصحيحة، لأنه سيؤدي إلى حبس هؤلاء النسوة في بيوتهن، وهو ما لا يمكن أن يكون الهدف الذي تنشده القوانين الألمانية.
هل المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا أو رئيسه أيمن مزيك قادران على تصحيح صورة الإسلام في وسائل الإعلام الألمانية؟
- إن ذلك يتطلب جهوداً كبيرة، وعملاً متواصلاً منا وأيضاً من الجالية المسلمة الواعية، حيث يجب فهم الإسلام ودراسته ويجب أن يكون لدينا الثقافة الإسلامية، حتى نردّ على الناس وأن نكون مثلاً عملياً لآداب الإسلام، أي أن يتعلم المسلم أولاً دينه ويدرسه، ليكون قدوة صالحة، وكما ذكرت فإن هذا الأمر يتطلب إمكانات ضخمة وجهوداً ومساعدات مالية كبيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.