ربما يكون الأكثر حرجاً من نشر موقع «ويكيليكس» وثائق عن غزو القوات الأميركية العراق هم أولئك الذين اجتهدوا وثابروا بإصرار لتسويق الغزو، تبريراً وتجميلاً وتضليلاً. وعندما انطلقت شرارة غزو قوات التحالف الغربي لبلاد الرافدين لفّت المنطقة سحابة سوداء ألقت بثقلها على القلوب، ومع تتابع الضربات الجوية والأرضية وتنوع الأسلحة الفتاكة انهمرت الأخبار المؤلمة عن وحشية لا تبقي ولا تذر، وشاهد العالم أكبر تدمير منظم في التاريخ لمدن مأهولة بالسكان توافق مع أكبر سرقة. في ظل هذه الظروف برزت أصوات وأقلام تسوّغ وتبرّر، بل تجاوزت ذلك لتجمّل وتضلل مع حرص على تشتيت الانتباه وسحب الرأي العام إلى مواقع السجال والجدال، مبشرين بالديموقراطية والمن والعسل. وعند متابعة وقراءة أخبار فضائح الأميركيين بوثائقهم الداخلية، لا يمكن إلا أن يعود أمامي شريط مصور للأحداث تبرز فيه أخبار وصور وتقارير حفلت بها بعض وسائل الإعلام العربية لم تستهدف سوى التضليل... تجميلاً للقبيح وتنظيفاً للقذر، من دون أدنى احترام للعقول أو رأفة بالقلوب. تمرّ صور لجنود أميركيين إبان الغزو مدججين بالسلاح يقدمون حلوى لأطفال عراقيين هم أنفسهم أو زملاء لهم ينسفون بناية كاملة بمن فيها، كان هناك سباق محموم لتسويق صور من هذا النوع، صورة من وسط ميدان الحرب لطبيب أميركي يعالج جندياً عراقيا ً- أو هكذا يراد التصديق - أثناء الغزو والدبابة العراقية في خلفية الصورة تحترق، كما لا ينسى التسويق لمحاكمات صورية فردية عند الكشف عن جرائم حرب وتعذيب واغتصاب قام بها جنود أميركيون في العراق مع حصانة أخذوها عنوةً، ولا بد أن هناك ممارسات مماثلة لجنود قوات التحالف الأخرى لا يعرف متى تظهر. لم يُحدث الكشف عن هذه الوثائق أثراً كبيراً في العالم العربي ولا يتوقع ذلك فهو غير موجود سوى على الخريطة. لقد طارت الطيور الغربية والإيرانية بأرزاقها من العراق بل بالعراق نفسه. الغزو الأميركي كان زلزالاً أصابت هزاته المتواصلة المنطقة، وتوابعه ما زالت تشغل دوله. الكشف الأخير لا يتجاوز إلقاء حجر في البركة الأميركية الداخلية، في النتيجة على الأقل، وإذا كانت الوثائق لم تتطرق الى دور وسائل الإعلام فهي أشارت إلى أدوار لسياسيين عراقيين يحكمون بلاد الرافدين الآن، لتخبر بشكل أو بآخر من الطريق الذين يقودون العراق إليه ومعه المنطقة. www.asuwayed.com