في ملعب بنت جبيل لم يكن الحضور مفاجئاً، أولئك الذين اعتادوا ان يلبوا نداءات الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله في كل مناسبة، بدوا بعد ظهر امس، في حماستهم المعتادة لاستقبال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد تماماً كما طلب منهم نصر الله. فعند الثالثة والنصف وقبل ساعة من الموعد المحدد سلفاً للاحتفال الذي دعت اليه حركة «امل» و«حزب الله» لم يكن في الملعب ولا في المدرجات المحيطة به موطئاً لقدم. ولم يكن في الطرق الكبيرة التي سورها «حزب الله» بالشرائط الصفر مسافة تذكر بين الجسد والجسد. مشهد الملعب بدا من بعيد كأنه غابة من الأعلام الإيرانية واللبنانية ورايات قليلة ل «حزب الله» وحركة «أمل». وأحاطت بالحاضرين من كل الجوانب صور عملاقة لبري و(وزير الدفاع الإيراني السابق الذي قتل اثناء الحرب العراقية - الإيرانية) مصطفى شمران ونصر الله والإمام الخميني ومرشد الجمهورية الإسلامية علي خامنئي والقياديين الذين اغتيلوا تباعاً الشيخ راغب حرب والسيد عباس الموسوي وعماد مغنية، وصور لجنود إسرائيليين عائدين من لبنان بعد حرب تموز يحضنون بعضهم بعضاً ويبكون تحت عبارة «أوهن من بيت العنكبوت». أمام الحشد الكبير أعلام عملاقة لإيران تتوسطها منصتان تزينهما غابة من الورود الحمر والبيض وخلف كل خطيب صور للخميني وخامنئي. الحضور لم يكل من ترداد عبارة «خوش آمديد»، كلما خفتت مكبرات الصوت التي تبث أغاني الترحيب بأحمدي نجاد بالعربية والفارسية إضافة الى النشيدين اللبناني والإيراني. وكلما خفتت حماسة الجمهور المنتظر منذ ساعات اطل الخطيب الزميل حيدر دقماق صارخاً ومستنهضاً الهمم مهللاً لنجاد الذي اسماه بالناصر والمنتصر والعائد والمنتظر لترتفع الوتيرة مع (ليموتوا في غيظهم في تل أبيب وواشنطن). «يا الله يا الله احفظ لنا نصر الله» كان الهتاف الأكثر ترداداً والأكثر تحبباً الى الحاج علي والد محمد حسن نصر الله والذي وقف تحت الشمس حاملاً ابنه ابن الثلاث سنوات، الذي ولد في الكويت وأحضره خصيصاً ليشارك في هذا الاحتفال. غير ان التدافع سرعان ما رد الوالد والطفل خطوات عدة الى الوراء. عند الرابعة والنصف لم يصل نجاد كما كان متوقعاً بل ارتفع الهتاف مرحباً بنواب «حزب الله» الذين وصلوا للتو الى المنصة محمد رعد وعلي فياض وعلي عمار وحسن فضل الله. وبقي كثر من الناس على الطرق المؤدية الى مكان الاحتفال لصعوبة الوصول. في الخامسة والربع ارتفعت السواعد الى السماء فجأة عندما ظهرت طوافة عسكرية فوق المكان وارتفع التكبير وأغنية بالفارسية مطلعها «ايران ايران». حامت لدقائق وغادرت وخاب ظن الجمهور المنتظر. «افرحي بنت جبيل هذا نجاد يدخل اعتابك هذه اللحظات»، قال الخطيب مطمئناً الجمهور الذي أخرج عناصر «الهيئة الصحية» حالات اغماء عدة بين صفوفه. في الخامسة والدقيقة 24 ظهرت الطوافة من جديد وانضمت اليها طوافة عسكرية اخرى وحامتا فوق الملعب. دخول نجاد كان الحدث الاستثنائي الوحيد في يوم بنت جبيل الطويل، وكان ذلك في الخامسة والنصف تماماً فعلت الصيحات والهتافات وراح نجاد يحيي الحشود وبدا التأثر عليه مجدداً. وحين حيا عريف الاحتفال ممثلي رئيس الجمهورية والمجلس النيابي علت هتافات التأييد لكن حين لفظ التحية لممثل رئيس الحكومة سعد الحريري علت صيحات الاستهجان. كلمة رعد ورحب النائب رعد بالرئيس نجاد وخاطبه قائلاً: «أيها القادم على أجنحة قلوبنا تحوطك من مشهد أشرعة القداسة والمهابة تحرسك أوراق المؤمنين ودعوات المستضعفين المظلومين في كل مكان. تحمل إلينا معك حب الإمام الخميني المقدس ونهجه وصدق القائد الخامنئي وعزمه، وتحل هنا بيننا أخاً كبيراً مجاهداً ناصراً مسؤولاً أميناً في مكان وقف فيه سيد المقاومة قبل سنوات قليلة وسجل للتاريخ حقيقة صارخة أن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت». وأضاف: «تحل بيننا في بنت جبيل عاصمة التحرير والانتصار، وتحل بيننا في الجنوب على تخوم فلسطين حيث يسكن هذه اللحظة وجع القدس وينتظر ويتراقص تينها والزيتون فرحاً بقدومك أيها الرئيس المقاوم». وتابع: «هنا سقطت أسطورة الصهاينة في هذه المنطقة التي تمثل ثغراً متقدماً في مواجهة نظام الغدر والهيمنة، وهنا سقطت أسطورة الصهاينة ومرغت أنوفهم وهنا انكشف زيف قوتهم وتفوقهم وهنا أذل الله جبروتهم، وهنا كان الفتح المبين والنصر المؤزر، وثبت زرع الشهداء وحصدت الأمة الحاضنة ثمار الجهاد والمجاهدين، وهنا حمل الإمام الصدر همم الوطن وقرت عيون القادة الشهداء مصطفى شمران وعباس الموسوي وراغب حرب وخليل جرادي ومحمد سعد وعماد المقاومة الحاج عماد (مغنية)». وخاطب رعد نجاد بالقول: «أرواح أهلنا الشرفاء والأوفياء تخفق عزاً وفخراً بلقاك. يا ابن الثورة الإسلامية». مرحباً به باسم حركة «أمل» و «حزب الله» والرئيس نبيه بري ونصرالله وباسم كل اللبنانيين. كلمة نجاد واستهل احمدي نجاد كلمته بتحية المحتشدين قائلاً: «يا من تقفون في جبهة الحق ضد الباطل، أيها الشعب المجاهد الطيب، الذين تقفون اليوم كما في كل وقت مضى في الصفوف الأمامية في مقارعة ومكافحة ومجاهدة المحتلين والطغاة. وقفتم وصمدتم حتى تمكنتم من أن ترفعوا رؤوسكم وأن تحافظوا على سيادتكم وكرامتكم. يا حماة الاستقلال والكرامة والعزة الإنسانية». وأضاف: «لولا مقاومتكم وصمودكم البطولي لما كان خط الحدود بين لبنان والاحتلال في أي نقطة مستقراً اليوم، أنتم أثبتم، ايها البررة والمجاهدون، أن جهادكم ودماءكم وصبركم وثباتكم أقوى من كل الأساطيل والبوارج والدبابات والطائرات، وأثبتم للقاصي والداني في هذا العالم أن مقاومتكم وإيمانكم وصبركم وجهدم وجهادكم أقوى من كل السيوف الظالمة في يد العدو الإسرائيلي، وأثبتم أن ليس هناك من قوة في هذا العالم تستطيع أن تقهر مقاومتكم». وأكد «أن مقاومة الشعب اللبناني نابعة من الإيمان والصبر والثبات والتحمل، واليوم تحول الإنسان المقاوم الى نموذج يحتذى من قبل كل شعوب المنطقة والعالم. وكل الشعوب تعتبر نفسها مديونة بعزتها وكرامتها ورفعتها لمقاومتكم البطلة والباسلة في هذا البلد الشقيق». وقال: «إن المقاومة هي رمز انتصار الشعب اللبناني ورمز انتصار كل شعوب هذه المنطقة. ولا شك في أن كل أبناء الشعب اللبناني العزيز أتباع كل الديانات السماوية السمحاء ومن أتباع كل الطوائف الكريمة يقفون في صف واحد وفي سد منيع مستحكم ضد الاحتلال والطغيان. ولا شك في أن أعداءنا وأعداءكم يخافون ويجزعون من وحدة كلمتكم ومن اتحاد صفوفكم»، مشدداً على أن «الوحدة هي رمز المقاومة ورمز الانتصار وهي رمز البقاء والثبات والانتصار». وأضاف: «هنا بنت جبيل موئل الحرية ومعقل الشرفاء، وهي قلعة المقاومة وعرين الانتصارات، وليعلم العالم أن الصهاينة خططوا ودبروا ذات يوم أن يهجموا على هذه المدينة المقاومة الكريمة لأنهم ظنوا أن هذا الأمر يؤدي الى وضع حد لنهاية الشعب اللبناني، أما الآن فأين هم وأين أنتم ايها الأبطال». وزاد: «أنا أعلن من هنا أن بنت جبيل حية وباقية. وهي تقف اليوم مرفوعة الرأس، وتقف منتصرة وعزيزة أمام كل الأعداء». وقال: «ليعلم العالم برمته أن الصهاينة الى زوال. وقد استطاع أبناء بنت جبيل البررة أن يذيقوا العدو الإسرائيلي الغاشم طعم الهزيمة النكراء والمرأة، كما استطعتم أن تدخلوا اليأس والقنوط الى قلوب الصهاينة وإلى قلوب كل الشياطين والمستكبرين». وأضاف: «اليوم لم يعد هناك من أي خيار أمام الصهاينة المحتلين إلا ااستسلام للأمر الواقع والعودة الى منازلهم وأوطانهم الأصلية». وزاد: «السلام عليكم يا من استطعتم أن ترفعوا عالياً رايات العزة وأعلام الفخر والانتصار. أريد أن أتوجه منكم بالشكر باسم الشعب الإيراني الثوري والمقاوم». وقال: «أتيت من أرض الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أرض الثورة والإيمان والحق ناقلاً معي التحيات القلبية الخالصة والعاطفة الصادقة من كل أبناء الشعب الإيراني اليكم أيها الشعب المؤمن المجاهد. وناقلاً لكم ما في القلب من التحيات الخالصة من قبل القيادة الحكيمة والرشيدة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأتيت كي أشكركم وأشكر كل الشعب صغاراً وكباراً. وأن أتقدم بالشكر من الشعب اللبناني بكباره ونخبه ومسؤوليه وبكل أديانه وطوائفه وأطيافه ومشاربه، كما أتيت لكي أتوجه بالشكر والتقدير من كل المقامات الدينية البارزة من ممثلي الديانات السماوية السمحاء علماء الدين المسيحيين والمسلمين والسنّة والشيعة والدروز». وأضاف: «أتيت لأشد على يد الشعب اللبناني الباسل، وكي أتقدم بالشكر والتقدير من كل المسؤولين المحترمين اللبنانيين في شتى المجالات. ومن أخي فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية الشقيقة العماد ميشال سليمان، ومن أخي المجاهد رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ومن أخي العزيز رئيس مجلس الوزراء في لبنان سعد الحريري ومن الأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصرالله». وخاطب المحتشدين قائلاً: «أعزائي كونوا على ثقة بأن فلسطينالمحتلة ستحرر من رجس الاحتلال بفضل قوة المقاومة وإيمانها». وأضاف: «أن راية العدالة قادمة لا محالة، والعشق والمحبة قادمان لا محالة، والمستضعفون سيصلون الى الحرية، ورجال الله سيأتون وحفيد الرسول الأكرم المهدي الموعود والمنتظر سيأتي بإذن الله والسيد المسيح عليه السلام سيكون رفيقاً وعوناً له»، مؤكداً «أن الظلم سيزول والطغيان سيمحى وكل مستضعفي هذا العالم ستكتب لهم النجاة والانتصار». واختتم قائلاً: «كونوا على ثقة تامة بأن شعب الجمهورية الإسلامية الإيرانية سيبقى على الدوام وفي كل الظروف والأحيان الى جانبكم أيها الشعب اللبناني العزيز وإلى جانب شعوب هذه المنطقة». وفيما لم يتبين في حينه ما اذا كان وصل الى المدينة براً او جواً، ذكرت الوكالة «الوطنية للإعلام» (الرسمية) أن الرئيس الإيراني يرافقه موكب حاشد وطائرات طوافة تابعة للجيش، مر في مدينة صور، ونزل الأهالي الى الشارع الرئيسي واستقبلوه بالترحيب. ثم سلك الطريق الرئيسي من بلدة قانا الى بنت جبيل حيث تجمع الناس في موقع مجزرة قانا، منتظرين زيارته لقانا بعد عودته من بنت جبيل.