لا غرابة أصلاً في أن يزور رئيس إيران لبنان تلبية لدعوة رسمية. إيران دولة كبيرة في الإقليم وللبنان مصلحة في علاقات الصداقة والتعاون معها. وسبق للبنان ان احتفى في العام 2003 برئيس ايراني اسمه محمد خاتمي. يومها اغتنم الزائر الفرصة ليقول امام حشد وافاه الى المدينة الرياضية في بيروت: «لبنان يمثل جوهرة تشع النور في عتمة الليل. فيؤذي شعاع نورها عيون هواة الظلام، مما يجعلهم يحاولون تحطيم هذه الجوهرة تحت مطرقة العدوان والاحتلال». حين يترجل الرئيس محمود احمدي نجاد من طائرته في مطار بيروت اليوم سيتذكر المراقبون جملة حقائق ومشاهد. صحيح ان خاتمي واحمدي نجاد جاءا من عباءة الثورة لكنهما جاءا من مكانين مختلفين فيها وباجتهادين مختلفين وأسلوبين متباعدين. ولا مبالغة في القول إن إيران احمدي نجاد هي غير إيران خاتمي في توازناتها تحت عباءة المرشد وعلاقتها بالداخل والخارج معاً وفي صورتها وأسلوبها في تحقيق برنامجها الطويل الأمد. ثم أن الفارق كبير بين الزيارتين. أميركا الحالية غير أميركا قبل سبعة أعوام في أميركا وفي العالم وفي الإقليم. أما الوضع العربي فلم يعد ممكناً ستر هشاشته. وانحسار الدور العربي في الإقليم صار من المسلمات. أما الجوهرة التي زارها خاتمي ورآها تشع نوراً فإنها تنذر اليوم بالتحول مفاعلاً يبث اشعاعات الطلاق والمذهبية والانقسام. فقد عانت الجوهرة من الرياح التي اطلقها قرار اعدام نظام صدام حسين ثم اعدام صدام ولا تزال تعاني من الرياح التي اطلقها قرار اعدام رفيق الحريري في احد شوارع بيروت. طبعاً مع الالتفات الى الفارق بين المكانين والرجلين. ستحظى زيارة احمدي نجاد باهتمام واسع. الرجل مثير اصلاً. مثير لحماسة من يشاركونه الجلوس على سجادة المقاومة والممانعة. ومن يجتذبهم أسلوبه الهجومي وقاموسه الذي يفضل مفردات المحارب على مفردات الرئيس ولا يتوقف طويلاً عند الأعراف الدولية وضوابط التخاطب. ومثير لكل من يعتبرون ان الكارثة الكبرى سببها نفوذ «الشيطان الأكبر» في العالم والإقليم ودعمه ل «الورم السرطاني» الذي لا يرى نجاد حلاً له غير استئصاله. احمدي نجاد مثير ايضاً للقلق. قلق الذين يعتبرون ان تحول ايران دولة كبرى في الإقليم لا يمكن ان يتم إلا على حساب العرب. وان إيران تريد الدور والقنبلة معاً. وان ادارة طهران لما تعتبره اوراقها في المنطقة تهدد بزعزعة استقرار حكومات وكيانات. وان احمدي نجاد يقود مغامرة لا قدرة للمنطقة على احتمالها وان الدول الكبرى لن تسمح ان تقوم قرب حقول النفط دولة كبرى تدمن تصدير الثورة وتجهد للنوم على وسادة نووية. سبقت زيارة احمدي نجاد حقائق لا يمكن اغفالها. في 2006 قصف «حزب الله» المدن الاسرائيلية بصواريخ ايرانية الصنع او مولت ايران صناعتها. منذ ذلك اليوم أعلنت ايران حضورها الميداني على خط النزاع العربي - الاسرائيلي وعلى المتوسط. جولة احمدي نجاد في جنوب لبنان غداً ربما ترمي الى التذكير بأن الهدوء على جبهة جنوب لبنان يحتاج الى موافقة ايرانية. حقيقة ثانية لا بد للعربي من الاقرار بوجودها وان كان من حقه اصلاً ان يرفضها وهي انه يتعذر تشكيل حكومة في العراق من دون الاستحصال سلفاً على شهادة حسن سلوك ايرانية لرئيسها وتوازناتها. الأمر نفسه يصدق على لبنان وان بدرجة أقل. هنا ايضاً لا يمكن تناسي مسألتين: لقد احتضنت ايران طويلاً القوى المعارضة لصدام حسين وأقامت معها علاقات وثيقة. ودعمت ايران مقاومة «حزب الله» في جنوب لبنان وساهمت مع آخرين في اعادة اعمار ما هدمته الحرب. إطلالة احمدي نجاد على المنطقة والعالم من بيروت بعد بغداد ليست بسيطة. ستطرح بالتأكيد اسئلة عن موقع لبنان الاقليمي والدولي في المرحلة المقبلة وكذلك عن التوازنات داخل لبنان وعما لحق بالدور العربي في الإقليم. دول كثيرة ستراقب هذا الدور الممتد من مضيق هرمز الى جنوب لبنان. في التاريخ سوابق تشير الى ان انتزاع ادوار كبرى وبقواميس هجومية يعجّل احياناً في اندلاع حروب كبيرة. احمدي نجاد زائر صعب. لا يروض قاموسه ليتلاءم مع الاماكن. لا يزعجه دوي تصريحاته ولا العواصف التي تعقب زياراته. شاهدته في نيويورك وبدا زائراً صعباً. وكذلك في اسطنبول. وبدا صعباً يوم زار بلاد صدام حسين. سننتظر تصريحاته في بيروت. نأمل بألا يعاقب لبنان بسبب زيارته وبألا يتصاعد التخصيب في المفاعل اللبناني بعدها.