بينما يتحدث خصومه عن اخفاقات كبيرة في الملف الاقتصادي ويصفون النفط بأنه كعب أخيل الذي يتربص به، يؤكد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن الأذرع الرئيسية لمافيا النفط في البلاد قد قطعت، وأن ما تبقى منها يحتاج إلى مواجهة حاسمة لوقف سوء الاستفادة من بيت المال العام. ومع قرب انتهاء دورته الرئاسية من دون أن يحقق وعده و«يضع النفط على موائد الإيرانيين» يعلن الرئيس الإيراني عن خطته الخاصة لتوزيع عوائد النفط بين جميع الإيرانيين في الداخل والخارج. نجاد الذي كان يتحدث في مؤتمر للمديرين الكبار لصناعة النفط عقد مؤخراً قال إن «شراء الأسهم والمشاركة في أرباح النفط ستكون متاحة للمواطنين من دون استثناء». ويعتقد نجاد أن ذلك سيساهم بتأمين المنابع المالية اللازمة لصناعة النفط وفي الوقت ذاته سيعمم الفائدة على جميع المواطنين ويخرجها من يد فئة محدودة يصفها نجاد ب «مافيا النفط». وتصل «حرب الأرقام والإحصاءات» بين المحافظين والإصلاحيين أوجها مع ارتفاع حرارة التنافس الانتخابي. ويدافع البعض عن قرارات نجاد «النفطية» ويعتبرونها استكمالاً لحركة تأميم النفط التي بدأها الدكتور مصدق في اربعينات القرن الماضي وأدت إلى الإطاحة به. وبعد أن كانت صناعة النفط قائمة على الشركات الغربية فهي اليوم وطنية بالكامل وتم استثمار 44 بليون دولار في الصناعة النفطية من منابع داخلية وتقول الأرقام التي تعزز من موقف نجاد أن توليد الغاز ارتفع خلال حكم نجاد من 300 مليون ليصل إلى 520 مليون متر مكعب. وكذلك الحال بالنسبة لتوليد النفط ليصل إلى أربعة ملايين و300 ألف برميل يومياً وهو أعلى معدل انتاج تصله إيران في تاريخ الثورة الإسلامية مع التأكيد على أن الرقم مرشح ليصل إلى خمسة ملايين برميل في اليوم. يأتي ذلك وسط دعوات بأن يقوم مجلس الشورى بالتحقيق في مصير بليون دولار من عوائد النفط تخص خزينة الدولة، ورد وزير النفط غلام حسين نوذري على هذه الأصوات بأن استقطاب الاستثمارات المحلية والأجنبية في قطاع الصناعات النفطية خلال الأعوام الأربعة الماضية بلغ 44 بليون دولار وأن کافة المعلومات الضرورية حول إزالة الغموض المثار عن وضع بليون دولار في خزينة البلاد قد تم تقديمها لمجلس الشورى وديوان المحاسبة ولجنة التخطيط والموازنة مدعمة بالوثائق اللازمة. اتهامات متبادلة وأمام تنامي الإتهامات بأن الحكومة بددت عوائد النفط تقرر ان يبحث ديوان المحاسبة هذه القضية ويعلن عن النتائج قبل اجراء الانتخابات الرئاسية. وتصف الحكومة الحديث عن أن عائد النفط خلال الأربع سنوات الماضية وصل إلى 300 بليون دولار ب «الشائعة»، وتؤكد أن الرقم لم يتجاوز 208 بلايين دولار. وقال وزير الثقافة صفار هرندي أن من يتساءلون عن مصير العائد النفطي الآن هم من يجب أن يقدموا اجابات شافية حول مصير العائدات قبل 25 عاماً والتي وصلت إلى 94 بليون دولار وتعادل بقيمة اليوم 500 بليون. وفي المقابل يضع المحلل الاقتصادي سعيد ليلاز خطة نجاد الأخيرة في خانة «الأرباح الواهمة»، ويؤكد أن خطة نجاد النفطية مستحيلة التطبيق من دون أن تسير بالتزامن مع خطة لاقتصاد حر، ويرى ليلاز الذي كان واحداً من المسؤولين الاقتصاديين خلال حكومة خاتمي أنه كان من الأفضل «أن يضع الرئيس عينه في عيون مواطنيه ويقدم لهم تفسيراً منطقياً لقراره برفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية». ويحذر أستاذ الاقتصاد والنائب السابق محمد خوش جهره من أن طرح هذه الوعود بالتزامن مع العملية الانتخابية «يوجه ضربة لمشروعية نظام الجمهورية الإسلامية الذي يكتسب شرعيته من آراء الناس ويفتح الباب واسعاً امام مخاطر الزعم بوجود شراء للأصوات». مساس بالكرامة ويذهب خوش جهره إلى الاعتقاد بأن خطة «مشاركة الناس في أرباح النفط» تشكل مساساً بالكرامة الإنسانية للمواطنين الذين يشتكون من مشكلات معيشية كبيرة. اما من الناحية الاقتصادية فالخطة «تتعارض مع الأهداف المعلنة ببناء تنمية واقتصاد غير معتمد على النفط». ويضيف أن الأبحاث التي أجريت على المنابع النفطية تؤكد أن عمر ذخائر النفط العالمية تصل إلى 50 عاماً وهي أقل بالنسبة لبعض الدول ولذلك «لا يجوز أن نسمح بتبديد منابعنا الطبيعية غير القابلة للتجديد والتي تتعلق باجيالنا القادمة وتوظيفها كوعود انتخابية». يأتي ذلك مع تنامي الاشاعات بقرب استقالة مدير البنك المركزي محمود بهمني، وعلى رغم أن الحكومة كذبت ذلك رسمياً ووصفته ب «السيناريو التخريبي» إلا أن المحافل الاقتصادية ما زالت تتحدث عن قرب وقوعه وكانت التصريحات الأخيرة لبهمني قد ارسلت اشارات بوجود خلافات بينه وبين الحكومة في ما يتعلق بالسياسات البنكية والمالية. واذا ما صحت الاستقالة سيكون بهمني ثالث مدير للبنك المركزي يستقيل بسبب خلافات في شأن السياسة المالية لنجاد. وسيوجه له ذلك ضربة انتخابية من العيار الثقيل. وتتحدث بعض المصادر عن نشر تقرير للبنك يتحدث عن عجز في حساب المال الخارجي، ويصف التقرير صرف الحكومة من حساب العملات الخارجية بأنه لا سابق له، وخلال الشهور العشرة من العام الماضي وصل الرقم إلى أكثر من 32 بليون دولار وهو ما يزيد بنسبة 31 في المئة على مجموع ما سحبته حكومة خاتمي. وترفض الحكومة الإعلان عن الموجودات الحقيقية لهذا الحساب وتعتبر ذلك من المحرمات. وفتح عدم الإعلان الرسمي عن ذلك الباب واسعاً امام التكهنات حيث يتحدث البعض عن أن موجودات هذا الحساب وصلت إلى الصفر.