تحت شعار «جمالية السينما في مواجهة قبح الاحتلال»، استضاف مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة بيت لحم، قبل فترة، والمحاط بالتحديد بجدار الفصل العنصري الذي يلفه في أكثر من اتجاه عروض المهرجان الخامس للسينما الخارجية (أفلام على الجدار)، الذي ينظمه مركز الرواد للثقافة والفنون المسرحية. وتجمع العشرات من سكان المخيم كباراً وصغاراً أمام أكبر شاشة عرض في العالم، أي على الجدار الإسمنتي، لمتابعة عدد من الأفلام الفلسطينية، والعربية، والعالمية، التي تمحورت هذا العام حول مفهوم التحرر، ومقاومة الظلم. وكان الافتتاح مع فيلم «أفاتار» الشهير الذي يروي حكاية جندي أميركي يرسل إلى الفضاء، ويحمل ورفاقه ذات أشكال أهل البلد الأصليين الزرق، والذين يدافعون عن أرضهم وأشجارهم وحياتهم البدائية في وجه الزحف الاستيطاني الأجنبي المدجج بالأسلحة و «الروبوتات» المتفوقة، وهم شعب «النافيي» في الفيلم الأسطورة، والذين وجد فيهم الفلسطينيون صورة لهم، فقاموا بدهن أنفسهم بالأزرق والتشبه بشخصيات الفيلم في إحدى المسيرات الشعبية المقاومة لجدار الفصل العنصري في بلدة بلعين قرب رام الله، قبل الاشتباك مع جنود الاحتلال. وقدم المهرجان العديد من العروض السينمائية الفلسطينية، والتي تعود في أحدثها إلى العام 2007، وأقدمها إلى ثمانينات القرن الماضي، ومن بينها فيلم «حيفا» لرشيد مشهراوي، وفيلم القدس في يوم آخر لهاني أبو أسعد والجنة الآن للمخرج نفسه، و «يد إلهية» لإيليا سليمان، وفيلم ملح هذا البحر، وكان عرضه الافتتاحي قبل عامين في إطار المهرجان نفسه، بناء على رغبة آن ماري جاسر مخرجة العمل والمقيمة في الولاياتالمتحدة الأميركية، والتي منعت ولا تزال من دخول الأراضي الفلسطينية. معاناة ومن بين الأفلام الفلسطينية التي استضافها «الجدار البشع»، فيلم محمد بكري «من يوم ما رحت»، والفيلم حسب بكري نفسه هو من إنتاج العام 2006 «بيحكي عن كل اللي أنا عانيته منذ انطلاقة الانتفاضة الثانية». ويقول بكري عن تظاهرة «أفلام ع الجدار»، وشارك في فعالياتها أكثر من مرة: «المقاومة الحقيقية هي التي تعكس إنسانيتنا، وترفض الاختباء خلف عباءة الضعف ... يجب علينا أن نفتخر بضعفنا الإنساني، وأن نجعل قاهرنا «يستحي من حاله»... من الصعب في فلسطين الخروج بسينما تبتعد عن ردود الفعل، بخاصة أن كل حياتنا باتت «رد فعل»، وهذا ما تعبر عنه هذه التظاهرة. وفي إطار الأفلام العربية، عرض فيلم واحد هو الفيلم المصري «جوبا»، الذي قال عنه بطله الفنان مصطفى شعبان أنه تنبأ بالخلافات الفلسطينية بين فصائل المقاومة، مع أنه، كما قال مستدركاً لم يحدد اسمي حركتي فتح وحماس، وأنه يدور حول مغامر مصري يقوم بعملية داخل الأراضي الفلسطينية، مشدداً على أنه شارك ببطولة الفيلم حرصاً على إعادة الاهتمام بالقضية الفلسطينية لدى قطاع الشباب. وعرض المهرجان جملة من الأفلام الأجنبية ذات المضامين السياسية والتي تبدو كمرآة تعكس معاناة الفلسطينيين بسبب الاحتلال من بينها فيلم «مملكة السماء»، ويرصد ملحمة في القرن الثاني عشر، تحكي قصة صانع سيوف شاب من القدس (يقف ضد جيوش المسلمين بقيادة صلاح الدين لحماية المدينة. على رغم أنه يخدم ملك هالك، إلا أنه يتمكن من إنقاذ المملكة من الجيوش الجرارة، ليترقى لمنزلة فارس ويقع بحب الأميرة الجميلة سايبيلا). والفيلم برصد تلك الفترة التي وصلت فيها جيوش المسلمين إلى أقصى درجات القوة بقيادة صلاح الدين ووصل فيها جيش الصليبيين لأقصى درجات الضعف بقيادة ملك القدس المصاب بداء الجذام الذي يجعله متخفياً طوال الفيلم من خلال قناع حديدي يداري التشوهات التي غزت ملامحه... واللافت أنه قدم صلاح الدين الأيوبي في صورة متزنة جداً يمكن أن تجعل المشاهد الأجنبي ينبهر بشخصيته رغم أنه لم يكن الشخصية الرئيسية في الفيلم، حيث جسد الفنان السوري غسان مسعود الدور ببراعة أضافت إلى الدور وأثرته. تمييز عنصري كما استضاف المهرجان، الذي يفتقر للإمكانيات المالية أو أي دعم مؤسساتي حكومي أو أهلي أو خاص في فلسطين، فيلم «دموع الحرية»، ويرصد في حبكة درامية متقنة حكايات ثوار جنوب أفريقيا في حرب ضد نظام التمييز العنصري، والذي تفوق جرائم الاحتلال الإسرائيلي جرائمه بكثير وفق العديد من المراقبين الدوليين، وبينهم مراقبون ومهتمون من جنوب أفريقيا، الذي عادة ما يربط المراقبون بينه وبين سياسات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطينالمحتلة. ويعرض المهرجان، إضافة إلى ما سبق فيلم «عمر المختار» للراحل مصطفى العقاد، والذي يصور سيرة المناضل الليبي ضد الاستعمار الإيطالي، وجسده الممثل العالمي أنطوني كوين، وهو فيلم لا يزال يحظى بشعبية كبيرة رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على إنتاجه. ومهرجان السينما الخارجية بدأه مركز الرواد في العام 2005، أي منذ بداية إنشاء الجدار في محيط مخيم عايدة للاجئين ... ويقول د. عبدالفتاح أبو سرور، مدير المركز: «كانت الفكرة أن هذا الجدار القبيح غير قانوني، وسيبقى قبيحاً وغير قانوني، ولإبراز قبحه كان لا بد جمالية ما وجدناها في السينما ... نحن نرى أن الصورة السينمائية فعل موقت، ونأمل أن يكون الجدار بشاعة مؤقتة ... نحن نقاوم الجدار البشع بجماليات سينمائية». ويضيف: «هذه الفعالية السينمائية المتواصلة في عامها الخامس تندرج في إطار السياسة العامة لمركز الرواد للثقافة والمسرح، منذ تأسيسه في العام 1998، والقائمة على شعار «مقاومة جميلة ضد قبح الاحتلال وعنفه» كوسيلة لإظهار الوجه الجمالي والإنساني والحضاري للشعب الفلسطيني». ويشير أبو سرور إلى أن المهرجان بدأ في العام 2005 بتقديم أفلام صامتة، ثم بدأ المهرجان يعتمد كل عام على ثيمة معينة، ففي العام 2008 ركزنا على السينما الفلسطينية، كأفلام لآن ماري جاسر، ومحمد بكري، وأحمد حبش، وغيرهم، وكون أن العام 2009 شهد احتفالية القدس عاصمة للثقافة العربية، فقد تمحورت الأفلام حول القدس وقضيتها من زوايا عدة، في حين ركزنا في هذا العام على السينما العالمية عبر أفلام تتحدث عن المقاومة والتحرر على الصعيد الإنساني».