أشعلت مغنية البوب الأميركية ليدي غاغا ليل واشنطن ثم ليل لوس أنجليس، بصخب أغانيها وأزيائها ونار موقدة في بيانو توسط المسرح الذي غنت فيه صاحبة «باد رومانس»، لحضور تماهى مع عدتها في الأزياء الغريبة وتسريحات الشعر الفاقعة اللون، وحتى الاكسسوارات الأكثر غرابة بما في ذلك النظارات المرصعة بالحجارة الأصلية والمزيفة على حد سواء. ليدي غاغا واسهما الأصلي (ستيفاني جوان انجلينا جيرمانوتا) المولودة في نيويورك عام 1986، تبدو في مؤشرات صعود نجوميتها وكأنها أيقونة الثقافة الاميركية الشعبية الجديدة. فاذا كانت مادونا أيقونة الثمانينات من القرن الماضي، وماريا كيري وبريتني سبيرز وكريستينا اغويليرا تتنافسن بقوة على اللقب في التسعينات من القرن الماضي، وكانت بيونسي ورفيقاتها من رهط الخلاسيات الجميلات أيقونات العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، فإن اللقب سيذهب على الأغلب الى ليدي غاغا لتكون أيقونة الثقافة الأميركية الشعبية في العقد الثاني من القرن الحالي. غاغا تبدو أقرب الى تمثل سيرة مادونا (الاثنتان أميركيتان من أصل إيطالي)، كما انهما ربطتا كثيراً بين التغيير في النغم والتغيير في الثياب وتسريحة الشعر، والحركات الراقصة. تعلمت ستيفاني العزف على البيانو في سن الرابعة، وكتبت أول أغنية هادئة على البيانو لها في سن الثالثة عشرة، وبدأت تغني في المقاهي في سن الرابعة عشرة (العمر ذاته والسيرة ذاتها عند مادونا لويس سيكوني). في عام 2003، بدأت ستيفاني جيرمانوتا دراسة الموسيقى وكتابة الأغاني التي تنوعت موضوعاتها ما بين الفن والدين والسياسة والمشاكل الاجتماعية، لكنها لم تحتمل أجواء الدراسة لتتمكن من إقناع المنتج الموسيقي روب فوساري بإصدار أسطوانة لها وباختراع لقب «ليدي غاغا» المستوحى من أغنية فريق الروك الشهير «كوين» التي حملت عنوان «راديو غاغا» وليصبح اسمها الدال على أغنيات غريبة التصوير والأزياء والكلمات والألحان أيضاً. وشكل عام 2007، نقطة فارقة في سيرة غاغا، إذ تعاونت مع فنانة المسرح ليدي ستارلايت التي ساعدت في ابتكار أزياء غاغا. وكانت الاثنتان تغنيان ضمن عرض بعنوان «مناظرة ليدي غاغا وستارلايت»، كما كتبت العديد من الأغاني لأسماء معروفة بينها بريتني سبيرز. وانتقلت صاحبة أغنية «باباراتزي» للعيش في لوس انجليس عام 2008 للعمل على إصدار أسطوانتها الأولى «ذا فايم» أو الشهرة، التي تصدرت قائمة أفضل أسطوانات العام، إلا أن إجماع المبيعات لم يكن كذلك نقدياً، فقد انقسم رأي النقاد في شأنها. فثمة من رأى أغانيها «ملهمة وصادقة»، فيما اعتبرها آخرون «تفتقر الى العديد من المميزات الغنائية الراقية ويميل أداؤها الى الصبيانية». ومن أغاني الأسطوانة الأولى البارزة ثمة «جاست دانس» التي وصلت إلى المركز الأول بسباقات الأغاني في أستراليا وكندا وإيرلندا وهولندا وبريطانيا وأميركا، وهناك «بوكر فيس» التي فازت بجائزة «غرامي» لأفضل أغنية راقصة عام 2009. فيما تم ترشيحها لنحو عشر جوائز في حفل «أم تي في» للعام ذاته، لتظفر بجائزة أفضل فنان جديد، بينما حازت أغنيتها «باباراتزي»، جائزة أفضل مؤثرات خاصة وأفضل إخراج فني. وها هي اليوم تفوز بجائزة «أم تي في» لأفضل أغنية مصوّرة في عام 2010 عن فيديو كليب «باد رومانس». وبعدما أبهرت الناس في الحفلة التي أقيمت في لوس أنجليس مساء الأحد الماضي، أفصحت عن ألبومها الجديد «بورن ذيس واي» الذي قد يكون مثيراً للجدل والنقد أكثر من الألبومات السابقة! وبعد النجاح الذي حققته الأسطوانة الأولى «ذا فايم»، أطلقت غاغا أسطوانتها الثانية «ذا فايم مونستر» أو وحش الشهرة، أوائل العام الحالي، وبحسب ألمعيتها النقدية الحادة، فانها بين أسطوانتين، قالت الكثير عن الفن وصناعته والشهرة واشتراطاتها. فاذا كانت الأسطوانة الأولى تعكس الجوانب البراقة من الشهرة، فان الثانية تظهر الجانب المظلم من الشهرة. إن وقفة متمهلة عند أغنيتها «باد رومانس» (الأداء والكلمات واللحن فضلاً عن عنصر الفيديو المهم) تحيل الى سياق متهكم تندرج فيها أغانيها (الطويلة بعض الشيء مقارنة بالأغاني السائدة)، فهي لا ترثي مشاعر الحب «السيئة» بحسب مزاج هذه الأيام، بل تمضي في مهمة «تبشيع» الأشكال السائدة اليوم عاطفياً. لكنها حتى وإن قاربت السخرية في أدائها للمشاعر المتداولة، إلا انها لم تتخل عن خامة قوية في صوتها وبناء متين في سياق الكلمات حتى وإن جاء سياقاً غريباً، لكن اللحن المبتكر بدا منسجماً مع «غرابة» الأجواء التي صاغتها الكلمات. كما أن هذا السياق لم يكن مختلفاً مع أغنيتها الجديدة «أليخاندرو» لجهة المزاوجة الغريبة بين الرقة والقسوة، بين الجمال وفوضى القبح! وبما أن الوشم الكثير على مناطق عدة من الجسد، هو مؤشر الى أن صاحبه من فناني أميركا والغرب عموماً، مواكب للجديد في الثقافة والفكر و «ستايل» تماماً، فإن ليدي غاغا لديها ستة أنواع من الوشم، من بينها إشارة السلام، وكتابة بالألمانية على يدها اليسرى تحمل أقوال الشاعر راينر ماريا ريلكه الذي تعتبره فيلسوفها المفضل، فيما نجوميتها «ضاربة» بقوة بين المثليين الذين تتعاطف معهم، وهي لا تخفي ازدواجية ميولها. ولتستقيم عناصر اعتبار غاغا «أيقونة» الثقافة الشعبية الأميركية، لا بدّ من اكتمال الحشد الرقمي للشهرة، فهي الشخصية الوحيدة التي جمعت في صفحتها على موقع «فايس بوك» 10 ملايين معجب، متخطية بذلك الرئيس باراك أوباما الذي تحمل صفحته على الموقع 9 ملايين اسم، كما جاءت في المركز الرابع ضمن قائمة تضم مئة شخصية من الأكثر نفوذاً، التي تصدرها مجلة «فوربس» سنوياً، ودخلت قائمة أكثر عشر سيدات تأثيراً في العالم.