ثلاثة تهديدات «نارية» أطلقها زعيم حزب المستوطنين وزير الاقتصاد نفتالي بينيت الأسبوع الجاري: الأول التوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بشكوى ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس (أبو مازن) بداعي ارتكاب جرائم حرب ضد مواطنين إسرائيليين، والثاني ضم التكتلات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية والقدس المحتلتين إلى السيادة الإسرائيلية، والثالث الانسحاب من الحكومة في حال وافقت على الإفراج عن أسرى من عرب الداخل. وشكك مراقبون في جدية هذه التهديدات، وأدرجها معظمهم في إطار السباق المحموم بين قادة أحزاب اليمين على استرضاء غلاة المتطرفين في الشارع الإسرائيلي الجانح على الدوام نحو مزيد من التشدد، كما أظهر آخر استطلاع للرأي. ويبدو أن بينيت نجح فعلاً في كسب ثقة المزيد من المستوطنين والمتطرفين بفعل تشدده، إذ أظهر استطلاع أنه لو جرت انتخابات عامة اليوم لعزز الحزب تمثيله البرلماني بثلاثة مقاعد إضافية وبلغ 15 مقعداً، ليكون ثاني أقوى الأحزاب. وكان بينيت قال للإذاعة العسكرية مطلع الأسبوع الماضي، إنه في حال قرر «أبو مازن» التوجه إلى المحكمة بدعاوى ضد إسرائيل، فإن دعوى شخصية ضده على ارتكاب جرائم حرب (إطلاق القذائف الصاروخية من غزة على سكان الجنوب ودعمه الإرهاب مادياً) ستكون في انتظاره في المحكمة ذاتها، مضيفاً أن مجموعة من القانونيين شرعت في إعداد دعوى كهذه. إعلانات في الصحف وفعلاً، شهدت صحف نهاية الأسبوع إعلانات كبرى موّلها حزب بينيت جاء فيها أن «المكتب القانوني الإسرائيلي» (المحسوب على «البيت اليهودي») شرع في إعداد شكاوى ضد الرئيس الفلسطيني بداعي ارتكاب جرائم حرب. ويتضمن الإعلان صورة لعباس يقف خلف قضبان السجن وتحتها بالعربية: «سنقوم بإرهابه في لاهاي». وأشار محللون في الشؤون الحزبية إلى أن بينيت لن يقْدم على تنفيذ أي من تهديداته، ولا حتى مغادرة كرسيه الوزاري الأثير، ويكفيه تعزيز شعبيته لمجرد إطلاق تهديداته، ما يعزز الانطباع لدى كثيرين من الإسرائيليين بأنه فعلاً نجم صاعد في الساحة الحزبية. ورأى أساتذة إسرائيليون في القانون الدولي، أن تهديد بينيت بالتوجه إلى محكمة لاهاي الجنائية ليس أكثر من «فذلكة إعلامية»، مستبعدين أن يكون رجال قانون نصحوه فعلاً بالتوجه إلى المحكمة، وهم المفترض أن يعرفوا أنه لا يحق لإسرائيل التوجه إلى المحكمة لأنها ليست عضواً فيها بعد رفضها التوقيع على معاهدة روما عام 1998 التي أنشأت هذه المحكم\ة. ورفضت إسرائيل التوقيع على المعاهدة لأنها نصّت على تعريف نقل سكان من دول تحتل أراضي غيرها إلى أراض تقع تحت احتلالها «جريمة حرب»، ما يعني أن الاستيطان في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967 هو «جريمة حرب» طبقاً لهذه المعاهدة. وأقرت أوساط قريبة من بينيت أن الأخير يدرك أن إسرائيل لا تستطيع التوجه إلى المحكمة الجنائية في لاهاي لأسباب قانونية (عدم التوقيع على معاهدة روما)، «لكنه عنى أساساً وجوب تهيئة الأرضية لتقديم الشكوى غداة تقديم الفلسطينيين طلب انضمام للمحكمة». وردّ مسؤول كبير في وزارة الخارجية الإسرائيلية على تهديد بينيت باستخفاف، وقال إن» التهديد يبدو دراماتيكياً، لكنه فارغ المضمون». وأكد هذا الكلام الخبير في القانون الدولي في «المعهد المتعدد المجالات في هرتسليا» البروفيسور يورام شاحر، إذ اعتبر التهديد «فاقد المعنى، وقد تستسيغه الأذن التي تستمع للإذاعة، لكن لا صلة لهذه الأقوال بالواقع». وأشار إلى أن التوجه إلى المحكمة الدولية بشكوى ضد شخص أو منظمة أو دولة متاح في أربع حالات فقط: الأولى والأسهل هي أن تقدم الشكوى دولة عضو في «معاهدة روما» التي أنشأت المحكمة، لكن هذه الطريق مسدودة أمام إسرائيل لأنها رفضت التصديق على المعاهدة، إذ قضت بأن يسمح فقط للدول التي وقعت عليها بالتوجه إلى المحكمة. أما الحالة الثانية المتاحة لتقديم شكوى، فتتم عبر مجلس الأمن المخول التوجه إلى المحكمة بشكاوى ارتكاب جرائم حرب ضد دولة أو منظمة، «لكن المؤكد أن روسيا والصين على الأقل، بل ربما الولاياتالمتحدة أيضاً، ستستخدمان حق الفيتو لإجهاض قرار كهذا». وفي الحالة الثالثة، تعلن إسرائيل أولاً قبولها صلاحيات المحكمة، «لكنها أخطر الطرق، إذ إن موافقة إسرائيلية تعني تعريض كل ضابط له علاقة باحتلال الأراضي الفلسطينية ومحاربة الإرهاب للمحاكمة، وليس معقولاً أن تقبل الحكومة بهذا الاحتمال». أما الحالة الرابعة، فتقضي بتمكين منظمات دولية غير حكومية بالتوجه إلى المحكمة بطلب المحاكمة، وهو ما يسعى إليه بينيت، كما يبدو. لكن أساتذة القانون يشيرون إلى أن احتمال تجاوب المحكمة مع طلبات كهذه ضئيل للغاية، مشيرين إلى أن المحكمة تتلقى سنوياً العشرات من هذه الطلبات من منظمات مناصرة للفلسطينيين، لكنها لم تعالج حتى اليوم أياً منها». وتضيف المحاضِرة الجامعية البروفيسور إيريس كنؤور، أن الإمكان الوحيد الحقيقي المتاح أمام إسرائيل هو التوجه إلى «محكمة العدل الدولية» في لاهاي ضد «دولة فلسطين»، لكن هذا يتطلب منها الاعتراف أولاً بفلسطين دولة، «وهو ما سيرحب به الفلسطينيون بحرارة».