لم تلق الدعوات الموجهة الى الجمهور الفلسطيني للخروج الى الشوارع امس لإحياء ذكرى مرور 61 عاما على النكبة، استجابة واسعة، فالنكبة التي وقعت عام 1948 لم تعد سوى واحدة من عشرات النكبات والمآسي التي شهدها هذا الشعب الممزق منذ ذلك العام، والتي لم يعد الكثيرون يرون جدوى كبيرة في احيائها. ففي رام الله، العاصمة الادارية والسياسية للسلطة الفلسطينية، لم يخرج سوى عشرات من الناشطين السياسيين لاحياء المناسبة. وفي غزة، منعت «حماس» ناشطي «فتح» من الخروج الى الشوارع لاحيائها. وكانت ذكرى النكبة تستقطب اعداداً كبيرة من الفلسطينيين، خصوصا من بين اللاجئين الذين يشكلون نحو 50 في المئة من اجمالي عدد الفلسطينيين البالغ عشرة ملايين نسمة في الوطن والشتات. لكن التطورات التي اعقبت النكبة شكلت سلسلة من النكبات تحتاج كل واحدة منها الى فعاليات سنوية لاحيائها كما النكبة الأم. فعقب نكبة عام 1948، تعرض ما تبقى من ارض فلسطينين التاريخية (الضفة الغربية وقطاع غزة) الى الاحتلال، وهو ما اصطلح على تسميته ب «النكسة». ونزح عشرات الآلاف من سكان الضفة وغزة الى الاردن عقب الاحتلال ما رفع عدد اللاجئين وعدد المخيمات الفلسطينية في الخارج. وعقب ذلك، شهد الفلسطينيون كشعب وأرض وقضية سلسلة احداث دموية سقط فيها عشرات الآلاف. فمن احداث «ايلول الاسود» (سبتمبر) عام 1971 في الاردن، الى احداث «تل الزعتر» في لبنان عام 1976، الى حرب لبنان الاولى عام 1978، وحرب لبنان الثانية عام 1982، ثم مذابح صبرا وشاتيلا، ومنها الى الانتفاضتين الاولى والثانية وصولا الى الانقسام الدموي بين «حماس» و «فتح» عام 2007. وحوّلت الاجراءات الاسرائيلية اليومية من مصادرة اراض، واستيطان، وحواجز عسكرية، واغلاقات، وجدار فصل، حياة الفلسطينيين الى نكبة معاشة يوميا. لكن رغم توالي هذه النكبات، فإن ضحايا النكبة الاولى ما زالوا متمسكين بحقهم في العودة الى ديارهم التي هجروا منها. غير ان هذا التمسك أخذ في السنوات الاخيرة أشكالاً ثقافية بعد تراجع الشكل السياسي في المفاوضات التي تقوم المساومة التاريخية فيها على مقايضة حق العودة بالدولة المستقلة في الضفة وقطاع غزة. وتنشط مراكز ومؤسسات ثقافية، خصوصا في المخيمات وفي الخارج، في تكريس ثقافة حق العودة وابقائها حية في نفوس اهلها. وتعقد مؤسسات تعنى بحق العودة لقاءات دورية في الخارج تجمع المئات من قادة اللاجئين الذين يبحثون في سبل تكريس هذا الحق. وقال النائب عيسى قراقع، احد ابرز الناشطين في المخيمات، ل «الحياة»: «حق العودة يجب ان يصبح جزءا من الثقافة اليومية والهوية، وليس فقط مناسبة سنوية يحتفل بها في ذكرى النكبة». واضاف: «اليهود ربّوا اجيالهم على ان وجودهم في فلسطين هو جزء من وجودهم الانساني، ونحن نعمل على ان يكون حق العودة عقيدة فلسطينية لا تمحى عبر الزمن». واعتبر ان تكريس حق العودة يأتي عبر «الثقافة الوطنية والمناهج التعليمية والمتاحف الدائمة ومراكز التراث». وشهد عدد من المدن الفلسطينية امس مسيرات واعتصامات ومهرجانات لاحياء المناسبة، وحمل مشاركون في هذه الانشطة مفاتيح منازلهم واوراق ملكية اراضيهم وممتلكاتهم التي هجروا منها. وقال محافظ نابلس جمال المحيسن في كلمة ألقاها في مهرجان في المدينة: «حق العودة حق مقدس، لا يمكن لأحد التنازل عنه، ولن نتنازل عنه». واضاف: «النكبة الفلسطينية مستمرة منذ ذلك العام الذي شردت فيه إسرائيل المحتلةالفلسطينيين من قراهم واقترفت بحقهم المذابح، فالنكبة تتجدد مع كل شبر من الأرض يستولي عليه الاحتلال، ومع إبعاد أي مواطن عن أرضه، ومن خلال جدران الفصل العنصري والمستوطنات التي يبنيها الاحتلال في الأراضي الفلسطينية». وفي قطاع غزة (ا ف ب)، اعلنت هيئة العمل الوطني في قطاع غزة امس في بيان ان الشرطة التابعة للحكومة الفلسطينية المقالة منعت اللجنة الوطنية لاحياء ذكرى النكبة من اقامة اي فعاليات حيث كان مقررا ان تنطلق مسيرات عدة ظهرا في جميع انحاء القطاع.وقالت اللجنة التي تضم فصائل منظمة التحرير وبينها حركة «فتح»، في بيان صحافي انها «تعبر عن استنكارها لهذا القرار وتعتبره طعنة موجهة لحق العودة والحيلولة دون قيام ابناء شعبنا في الدفاع عنه والتمسك به امام مخاطر الشطب والتصفية، كما انها تعتبره تراجعا عن المناخات الايجابية التي وفرتها مسيرة الحوار الوطني للخروج من حالة الانقسام التي عانى منها شعبنا طويلا».