التعليم هو القاعدة الرئيسة للتطور والحداثة والنماء، وهو اللبنة الأولى التي تفتتح رحلة بنائنا المستقبلية، هو باختصار شديد، الجامع الشامل الذي تقوم عليه أمور حاضرنا ومستقبلنا، لكن هل هو كذلك في دولنا العربية؟! بنظرة دائرية على مجمل الخريطة العربية يتبين لنا أن هذا التعريف هلامي بعض الشيء، ويكاد يكون غير موجود على أرض الواقع، ولا يمكن أن يكون صلداً وصلباً في مقبل الأيام ولا ينبغي له، لأن التعليم في أقاليمنا ما زال يحتل الدرجة الرابعة أو ربما الخامسة في سلم اهتمامات الحكومات والشعوب على حد سواء! وسيظل مدرجاً في أواسط الاهتمامات الحكومية والشعبية لسنوات مقبلة ما دمنا نفكر بالطريقة نفسها التي تعودنا عليها منذ عشرات السنين! فمنذ أواسط القرن الماضي والتعليم بالنسبة لنا يتمحور حول تعريف واحد لا قرين له: محو الأمية! تلقين يتكشف عن تلقين، وحشو يتلو حشو، والهدف طرد الأمية اللغوية والتاريخية والعلمية والاجتماعية والدينية من العقول! جميل هذا، لكن أين التعليم الذي يوطن بقدر ما ينفي، يزرع بقدر ما يجتث، يبني بقدر ما يهدم! النفي والاجتثاث والهدم يصنع لنا أجيالاً مثقفة ملمة بما هو معروف في الأصل، إنما التوطين والزرع والبناء يصنع أجيالاً مخترعة وكاشفة للمجاهيل التي لم يمتد إليها عقل إنسان بعد. نظام التعليم لدينا يُخرّج موظفين مثقفين عارفين بما هو موجود في العالم، وهذا ليس طموحنا بالتأكيد، فما نطمح إليه هو تخريّج مثقفين عارفين بما هو موجود في العالم وعارفين أيضاً – وهذا هو الأهم - أنهم جهلة في الكثير من الأشياء التي تغيب عنهم بسبب احتجابها خلف جُدر العادية أو المألوف أو بسبب غيابها في كواليس الصعوبة والتعقيد. الجاهل الذي لا يعرف أنه جاهل سيبقى على جهله، أما الجاهل الذي نستثير فيه ظلامات جهله، فسيضيء إضاءة ذاتية ولو بعد حين! وكم نحن محتاجون للإضاءة الذاتية التي فقدناها منذ زمن الحسن بن الهيثم وابن حيان والخوارزمي وغيرهم من العلماء المسلمين والعرب الذين كان لهم دور كبير في دفع المعرفة الكونية في أزمانهم إلى آفاق لم تكن لتبلغها لولا جهودهم وأبحاثهم واختراعاتهم. نحن محتاجون ببسيط القول، إلى تفعيل معرفتنا بجهلنا! متى ما عرفنا جهلنا، فإننا سنكون حينها قادرين على محو جهل غيرنا باختراعاتنا وأبحاثنا. إضافة إلى هذا الاحتياج الذي يمثل عمود مطالبنا من نُظم التعليم في البلاد العربية، فإننا نتمنى أيضاً من وزراء التربية والتعليم في الدول العربية في جانب يتعلق بمسؤولياتهم التربوية، أن يضعوا في اعتبارهم مسألة مهمة جداً وهي العمل على القضاء على تفريخ الإرهابيين الذين ما زالوا يتوالدون من بعض الكتب الصفراء التي تجد رواجاً في مدارس وجامعات بعض الدول العربية! التعليم كما أسلفت هو اللبنة الأولى التي نبني عليها مستقبلنا، وهو المشكل الرئيس لطبيعة مخرجاته، ومتى ما استمرت العناية المقدسة بالتاريخ الذي تلا تاريخ محمد صلى الله عليه وسلم فسنظل ندور أبد الدهر بين عدل معاوية وظلم علي، أو عدل علي وظلم معاوية! ما كتبته أعلاه يتمحور حول المضمون، أما الشكل الذي أتمنى أن يفعّل فعلاً فهو الاتفاق على إدراج مادة تتحدث عن تاريخ العرب وحاضرهم والنظرة على مستقبلهم في كل المراحل التعليمية الأولية، بحيث يكون المنهج متطابقاً في كل الدول العربية، ويتم الاتفاق على تدريسها في يوم واحد أسبوعياً وفي ساعة محددة من اليوم الدراسي. تخيلّ عزيزي القارئ أن يكون الطفل الجيبوتي يستمع في ساعة محددة للدرس نفسه الذي يستمع له الطفل السعودي والطفل التونسي والطفل اللبناني! أظن غير آثم أن هذه الشكليات ستكون نواة صلبة للوحدة العربية من جانب وجداني على الأقل! * كاتب وصحافي سعودي. [email protected]