جاءت إعادة تقديم باليه «روميو وجوليت» خطوة طيبة إلى حد ما، ليس لأنه من عيون التراث العالمي فحسب، بل لأنه من كنوز فرقة باليه أوبرا القاهرة وأنتج في تسعينات القرن الماضي عندما كانت في مرحلة تأسيس رصيدها الفني ووضع دعائمه من الأعمال الكلاسيكية. كما أنه يجذب الجمهور الذي يحب عروض الباليه الدرامية بدليل الإقبال الكبير وتعليق لافتة «كامل العدد». قُدّم عرض «روميو وجولييت» بمرافقة أوركسترا أوبرا القاهرة، وشارك فيه عدد كبير من نجوم الفرقة وأعضائها، فهو من أكثر الباليهات التي تتضمن رقصات جماعية. والعرض صيغ انطلاقاً من مسرحية وليم شكسبير التي كتبها عام 1597. ولأن في النص «كنزاً» درامياً وتنوعاً في الأحداث، فقد شكلت مصدر إلهام لعدد كبير من المؤلفين الموسيقيين. لكن معالجة الموسيقي سيرغي بروكوفييف (1891- 1953) التي استخدمت في العرض تعد من أكثر الإبداعات انتشاراً وإلهاماً لمصممي الباليه. كتب عرض «روميو وجولييت» أوائل القرن العشرين وقدم للمرة الأولى في مدينة برنو بتشيكوسلوفاكيا عام 1938، ومن ثم قدمته فرقة كيريف عام 1940 وعرض على مسرح البولشوي عام 1948. العرض الأول صمم رقصاته ليوتيد لافروفسكي الذي ظلت تصاميمه الأكثر شهرة وتعد مرجعاً لبقية المصممين وكانت الأساس الذي أقام عليه الراحل الدكتور عبدالمنعم كامل رقصات هذا العرض، إضافة الى بعض التصاميم لكرانكو وماكميلان. أما «باليه بروكوفييف» فجاء مطابقاً إلى حد كبير لأحداث المسرحية من حيث السيناريو المتعدد المشاهد، علماً أن المخرج عبدالمنعم كامل اختصر بعض التفاصيل الدرامية الصغيرة لكنه استطاع أن يحافظ على الجوهر مع تركيزه على الصراع بين عائلتي روميو وجولييت. باليه «روميو وجولييت» من أعمال بروكوفييف الخالدة التي أكسبته شهرة كبيرة، وقدمه عبدالمنعم كامل من خلال 12 مشهداً في إطار 3 فصول. وكان هناك مشهد حركي قدّم مع الافتتاحية الموسيقية يوضح نوع هذه الدراما التي تدور أحداثها في مدينة فيرونا في إيطاليا، وتبدأ بالشجار والصراع بين كل من عائلة روميو وعائلة جولييت وتنتهي بانتحار البطلين. وفي الختام تأتي قصة الحب الرومانسي ومحاولات الدفاع عنه. وأتت المشاهد الجماعية ذات تصاميم ثرية في الملابس والأكسسوار والحركة المتدفقة والمعبرة والتي تتناسب مع الموسيقى ذات الإيقاعات. ومن الملاحظ وجود زيادة في المجموعات التي كان نقصها من سلبيات العروض السابقة. أما أداء الراقصين فكان بارعاً خصوصاً في قدرتهم على التعبير عن الانفعالات المختلفة من خلال التمثيل الإيحائي وتَوَاكُب الحركة مع الخط الدرامي. البطلان روميو وجولييت كانا على درجة عالية من الدقة وفهم الشخصية وهم بالتناوب أحمد يحيى وآنيا آهسين وممدوح حسن وكاتيا إيفانوفا. وإذا كان العرض الجديد تم الاعتماد فيه على الراقصين المصريين في البطولات الرجالية، فإن البطولات النسائية المحلية التي تؤدي دور جولييت غير موجودة. وكانت الموسيقى البطل الحقيقي للعرض خصوصاً بعد عودة المايسترو نادر عباسي الذي يقوم بنشاط بارز في أوروبا وأميركا ويعد المؤسس الحقيقي لهذا الفريق، واستطاع أن يقدم العمل بتميز خصوصاً أنه نجح في إبراز جماليات موسيقاه التي تجمع بين كثير من العناصر الكلاسيكية والمعاصرة وتتسم ببساطة الألحان مع لغة هارمونية حديثة تتضمن بعض التنافرات مع استخدام إيقاعات وميلوديات شعبية روسية. ومن الناحية الإخراجية كان هناك تضافر موظف في شكل جيد بين الديكور البسيط الذي صممه محمد الغباوي والملابس والحركة والإضاءة التي صممها ياسر شعلان. وتجلى التناغم في المشهد الأخير حيث يرى روميو حبيبته نائمة فوق القبر، فيتصور أنها ماتت فينتحر، وعندما تستيقظ تنتحر هي الأخرى. فقد جاءت حركة البطلين وتنوع الإضاءة ودلالتها الرمزية المعادلة لمشاعر العاشقين في قالب جمالي كان خير ختام لهذا العمل الذي جسد بالحركة والموسيقى عالم شكسبير المبدع.