يعد باليه كوبيليا الذي يعرض حالياً في أوبرا القاهرة، حدثاً مهماً لأنه إنتاج جديد سيضاف إلى رصيد فرقة باليه أوبرا القاهرة، كما أنه أتى بعد فترة نضوب كبيرة حيث ظلت الفرقة تعيد ما سبق تقديمه لسنوات عدة باستثناء «عصفور النار» الذي قدمه وليد عوني الموسم الماضي. وهذا الباليه من الكلاسيكيات التي اشتهرت الفرقة بتقديمها والتي يتضمن رصيدها الآن معظم الريبيرتوار الكلاسيكي العالمي. وكوبيليا من إبداع الموسيقي الفرنسي ليو ديليب (1836-1891) الذي اشتهر بمؤلفاته للباليه والأوبرا والأوبريتات، وتعد «كوبليا» و «سيلفيا» و «لاكميه» من أعماله التي نالت حظاً من الشهرة. وباليه كوبيليا مأخوذ عن قصتَي «رجل الرمال» و «العروسة» للروائي الألماني هوفمان (1776-1822) وعرض للمرة الأولى في 25 أيار (مايو) 1870 على المسرح الملكي بباريس من تصميم ارثر سان ليون(1821-1870)، ولم يستمر طويلاً بسبب الحرب، ومن ثم أعيد تقديمه في سان بطرسبرغ بتصميم جديد للمصمم الروسي ماريوس باتيبا (1818-1910) في أواخر القرن التاسع عشر وتعد هذه النسخة الأكثر شهرة. يتألف الباليه من ثلاثة فصول، وتدور قصته في قرية تقع بين المجر وبولندا حول الدمية الخشبية الجميلة كوبيليا التي صنعها المخترع العبقري دكتور كوبيليوس ويقع في غرامها الشاب فرانز معتقداً أنها شخصية حقيقية، إلا أن خطيبته سفانهليدا المفعمة بالحياة تنفذ حيلة ذكية بمساعدة أهل القرية لتخلصه من هذا الوهم. وقيمة باليه كوبيليا الفنية أنه يمثل اتجاهاً جديداً في الباليه الرومانسي، حيث بنيت قصته على أبطال من البشر تتصاعد بينهم الأحداث الكوميدية لتنتهي نهاية سعيدة، بينما غالبية الباليهات قبله تدور حول شخصيات خرافية وعادة ما تنتهي نهاية حزينة. وتناول كوبيليا الكثير من المصممين برؤية جديدة وهنا استعانت الأوبرا بالمصممم الإيطالي فالنتين بارتس الذي حافظ إلى حد كبير على التصميمات التي سبقته، وغلب عليه الأسلوب الكلاسيكي من الإفراط في الرقصات الطويلة والمكررة في الحركات والتي تخرج بك عن السياق الدرامي. ولم نشهد رؤية مختلفة أو تميل إلى المعاصرة تؤكد بصمته باستثناء ديكور محمد غرباوي الذي مال للتجريد واستغنى عن تفاصيل كثيرة، ما أضاف إلى حد ما رؤية معاصرة على العمل. وأتت إضاءة ياسر شعلان لتؤكد حرفيته وبصمته الخاصة التي تميل إلى التوظيف الجيد واستخدام الألوان برمزية ودلالة تعمق من الحدث بالإضافة للإبهار. ومن أهم إيجابيات العمل عودة المايسترو شريف محيي الدين لقيادة الباليهات في أوبرا القاهرة، بعدما ظل سنوات طويلة يؤسس لنشاط جاد في مدينة الإسكندرية. وعلى رغم أنه يقود العمل للمرة الأولى، إلا أنه حافظ إلى حد ما على ميزات الموسيقى من الغنائية والتلوين الأوركسترالي البراق والإيقاع الحيوي النشط، ولكن أكثر ما قدمه في شكل جيد، الرقصات الفولكلورية والتي دخلت للمرة الأولى للباليهات على يد ديليب مثل الرقصة البولندية الشعبية ورقصة الزاردش المجرية في الفصل الأول ورقصتي البوليرو الإسبانية والغيغا في الفصل الثاني. وفي العمل، ألحان دالة على الشخصيات ما استدعى عزفاً منفرداً قدمه بأداء متميز عازف الفلوت كييكو تانكا وعازف الكمان محمد عبدالرؤوف وعازفة الفيولا ماجدالينا برونده. وكان الإيقاع الموسيقي متناسباً مع الحركة على المسرح واستطاع المايسترو أن يسيطر على العازفين في الحفرة والراقصين على خشبة المسرح ويحدث بينهما انسيابية وسلاسة. أما الروعة الحقيقية في الباليه فهي رقصة الدمية التي أداها بالتبادل على مدى أيام العرض كل من آنيا حسين وكاترينا ايفانوفا وهانا نومورا، والثلاثة أدوا الرقصة وأيضاً باقي الرقصات الثنائية والفردية ببراعة أما البطل فرانز فتبادل أداء دوره أحمد يحيى وأحمد نبيل وممدوح حسن والثلاثة مبعث فخر لهذه الفرقة حيث جاء أداؤهم على درجة عالية من الكفاءة والاهتمام بفهم تفاصيل الشخصية. كما كان هناك نجوم في الرقصات الجماعية مثل هاني حسن وفاروق الشريف وعصام عزت ومن الراقصات سحر حلمي ورجوى حامد وشيماء محمود وياسمين السراج ونينت مصري وهن المصريات الوحيدات في العرض، أما باقي الأدوار فأسندت للأجنبيات، ما يجعلنا نتساءل أين الباليرينا المصرية؟ ونجد في المقابل معظم الأدوار الرئيسة والثانوية يؤديها الراقصون المصريون. العرض ممتع وجاء مرضياً لكل الأذواق سواء عشاق الباليه الكلاسيكي والرقص على أطراف الأصابع والتمثيل الإيمائي الذي تفوق فيه كل أعضاء الفرقة أو الذين يميلون للرقصات الواقعية والفولكلورية.