سألني صديقي لماذا لم يحتسب أحد من «المحتسبين» الذين ملأوا الدنيا واشغلوا الناس ضد الإرهابي «سعيد الشهري» الذي يحرض أتباعه ليل نهار على اغتيال رجالات الدولة، لماذا لم يتم الاحتساب ضده لأنه أخرج امرأة من بين أهلها وخطف أولاداً لأسر لا يمتون إليه بصلة، كيف لا يحتسبون ضده وهو ساعد في إخفاء الإرهابية «هيلة القصير» سبعة أشهر بعيداً من أهلها وهي امرأة غريبة عنه. أين أولئك «المحتسبون» المنتشرون في المدن والقرى، راصدين أي «نفس» مدني تتبناه الدولة أو ينتجه المجتمع قابضين عليه وذاهبين به إلى أقرب محكمة؟ لماذا لم يحتسبوا ضد من هربها وآواها وسكنها ونومها وهو غير محرم لها طوال تلك الأشهر؟ فقلت لصديقي، لعلهم مشغولون بالاحتساب في قضايا أهم «من وجهة نظرهم»، مثل منع اختلاط الأطفال من دون سبعة أعوام بمعلماتهم، أو الاحتساب ضد كاتب ما، أو ضد فتاة لم تلبس العباءة السوداء، فهم يرون أن تلك القضايا أهم من الدعوة «المنكرة» لاغتيال رجالات الدولة. صديقي الذي لم يستسلم سألني عن الحل في فوضى الاحتساب الدائرة الآن في أروقة المحاكم، التي أشغلت المجتمع بأطيافه كافة، وعبّر عن تخوفه من أن تصبح «ظاهرة سعودية بامتياز» مثل ظاهرة البرقيات والمفاكسة، والتسابق على السؤال عن الفتاوى الغريبة بدءاً من جواز إهداء الورد، إلى الصلاة على سطح القمر. صاحبي يتوقع أن تجد المحاكم نفسها في يوم من الأيام لا شغل لها إلا النظر في قضايا الاحتساب، بدءاً من الاحتساب ضد الرجل الذي يدخل بيته «برجله الشمال» وانتهاء باحتساب الأب ضد زوجته لأنها استمعت إلى «المعازف»، مروراً بالاحتساب ضد الحكومة في أي قرار تتخذه ولا يعجب البعض. فقلت له عندي حل مناسب «يريح القرعة من كد الشعر» على ما يقول المثل، وهو وضع «محتسب» مع كل مواطن فيصبح كل مواطن تحت «عين» المحتسب لا يترك له صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، فلا يتحرك إلا بحساب ولا يتكلم إلا بحرص ولا يخرج ولا يدخل إلا بعد أن يوافق السيد المحتسب. ويا ليت يكون المحتسب قادراً على إقامة الحد الشرعي مباشرة على المواطن الواقع تحت ملك «احتسابه»، فيجلده إذا كذب ويعزره إذا اغتاب أحداً، ويمكن كذلك أن يوضع مع كل محتسب «تخشيبة» صغيرة يستطيع فيها سجن المواطن فوراً ومن دون اللجوء للمحاكم، وبالتالي نتحول فعلاً لمجتمع الفضيلة من دون وجع رأس. لكن صديقي الذكي «ختلني» بسؤال من عيار سعودي ذي خصوصية فريدة، قائلاً: طيب والنساء «مين نحط معاهم». فقلت له بعد تردد: يا سيدي البلد الآن مليئة بالمحتسبات، والشواهد كثيرة فهذه ثلاث سيدات يطالبن وزير التجارة بمنع الملابس النسائية من الأسواق، وأخريات يطالبن بفصل «نورة الفايز» من عملها لأنها ليست «ذكراً». إذاً من السهولة إيجاد محتسبة لكل مواطنة على أن تقسم النساء إلى عاصيات ومحتسبات، ويركزن المحتسبات على أن تلبس المرأة العباءة على الرأس فقط وليس الكتف، وأن النقاب من نوع «أراك ولا تراني»، والتأكد من منع الكعب العالي، ومنع لبس الفستان أبو سستة إلى آخر تلك القائمة التي لا تنتهي أبداً. عندها فقط يا صديقي العزيز يخف الاحتساب إن لم يتوقف تماماً. [email protected]