الفنان كغيره من الناس، يغضب، وله ردود فعل كغيره من الناس أيضاً. لكن إذا كان مبرِّراً للناس العاديّين أن يغضبوا وتأتي ردود فعلهم قوية، وصادِمة أحياناً باستعمال اليدين والذراعين والساقين في بعض الحالات الإنفعالية، فإن للفنان «صورة» شعبية يمكن أن تكون أعلى قليلاً أو كثيراً من هذه «الأدوات التعبيرية»، وتالياً فإنّ الحكم على مواقفه وتصرّفاته «الجسمانية» لا بدّ من أن يتسّم بالسلبية إذا ما تجاوز «الوضع الطبيعي» في حق الدفاع عن النفس تحديداً. مناسبة هذا الكلام اعتداء بالضرب على مُصوِّر صحافي، قام به مرافقو أحد المُغنين الشباب العرب في بيروت خلال وجوده فيها في الأيام القليلة الماضية. وفي التفاصيل، ان المغني النجم الذي كان يسهر في أحد النوادي الليلية، اقتربت منه فتاة معجبة للتحيّة، فإذا به يعانقها ويقبلها في فمها، وصودف وجود المصور الصحافي في المكان، فالتقط صورة ... للقبلة بين المغنِّي والمعجبة العابرة. وخلال لحظات قليلة كان المصور وكاميرته بين أيدي مرافقي المغني ضرباً وركلاً ( يُقال أنه شارك..!) والختام كالعادة، في المستشفى. طبعاً، تطور الموضوع «على الأرض»، لكن في النهاية مرَّ «الأمر من دون أي «معالجة» جدية للواقعة برمتها. وجُلَّ ما عولج هو أسنان المصور الصحافي التي تكسّرت جملة وتفصيلاً. نريد أن نعكس الحالة، ثم نقرأ النتائج المفترضة: لو أنّ نجماً غنائياً لبنانياً كان يسهر في أي بلد عربي، واقتربت منه معجبة فأخذها بالأحضان مُقبِّلاً، والتقط له مصور صحافي صورة في هذه الوضعية، هل يمكن أن يتجرأ هو أو مرافقوه وكل من لفَّ لفّهم أن يتصرفوا مع المصور بالشكل الذي تصرف به النجم العربي الشاب ومرافقوه في لبنان مع المصور اللبناني؟ قطعاً لا. وأقصى ما يمكن أن يحدث هو محاورة المصور لأخذ اللقطة منه وإتلافها إذا كانت تحرج الفنان إعلامياً لا أكثر ولا أقل. أما إذا رفض المصور، فلن يجرؤ أحد على الإقتراب منه و «تأديبه» يدوياً كما جرى مع المصور اللبناني المكسّر الأسنان حالياً. والسبب، أنّه في أي بلد عربي لا يمكن أن تمرّ وقائع «قتالية» ذات طابع «فنِّي»، كهذه الواقعة، من دون حساب أو جرجرة الى الشرطة أو ربما أكثر من ذلك، أما في لبنان، فهناك «حسابات» أخرى تأبى أن تخدش شعور... السياحة الفنية حتى ولو خدشت هذه السياحة شعور مواطن بالضرب والركل وتوابعهما. النجم العربي الشاب الذي أمَرَ مرافقيه القيام بهذه الفعلة الشنعاء، شهير «باستعمال» يديه و «بُنيته الجسمانية» في التعبير عن غضب هنا أو استفزاز هناك تجاه آخرين، وأحياناً من أهل الوسط الفني أنفسهم. ولم يتعلم بعد ان ما يفعله هو تجاوز للآداب أو «تحطيم» للأخلاق التي ينبغي أن تقوم بين الفنان والجمهور أو المحيطين به في أي مكان يحلّ فيه. وإذا كان يرفض أن تُنشر له صورة يقبِّل فيها معجبة عابرة... في فمها، في لحظة غرور أو لحظة «تجغيل» (باللغة الشّبابيّة)، فلماذا قام بهذا العمل أصلاً، لا سيما أن الحادثة جرت في مكان عام لا خاص. والمصور لم يكن يتلصّص من خلف « ثقب الباب» مثلاً بل كان ساهِراً كأي زبون آخر في النادي الليلي، و «اللقطة» فرضت نفسها عليه وجاءت بنفسها إليه. ولو لم يفعل ذلك، لكان « مُقصِّراً» مهنياً على الأقل. ازداد عدد نجوم الغناء الذين من هذا النوع، في العالم العربي. إنهم ظواهر قد تكون معروفة من قبل، لكنها لم تكن بهذا الإنتشار، وبهذه العدائية. هذا أولاً. أما ثانياً، فإنّ «القوانين» اللبنانية المطّاطة في حماية مواطنيها من حالات كهذه، وشعور أي نجم عربي بأنه يمكن أن «يضرب» ويهرب من المساءلة، هو الأفظع. لبنان على أبواب الصيف... والحفلات، فهل على المُصوِّرين الصحافيين ان «يضبُّوا» عدساتهم، أم على النجوم أن يحترموا... أنفسهم!