اذا كان من عادة كثيرين القول ان النجاح في العالم العربي ممنوع، ها هي الأخبار تأتي على التوالي حيناً من هذا البلد العربي او ذاك تؤكد هذه المقولة: المثال الأحدث يأتي اليوم من المغرب. وبالتحديد من المكان الذي كان الأنجح بين النتاجات الثقافية في هذا البلد الذي اعتاد ان تكون فيه للثقافة مكانة كبيرة. وفي شكل اكثر تحديداً، من عالم السينما الذي نعرف انه حقق نجاحات مدهشة في السنوات الأخيرة أكان ذلك في إنتاج أعداد متزايدة ونوعيات تتحسن باضطراد من الأفلام، او في مجال النشاطات المهرجانية، او في مجال الانفتاح على العالم واجتذاب افلام تصور هناك ما يعطي كل انواع الزخم لنهضة سينمائية كبيرة. معروف اليوم في الأوساط السينمائية داخل المغرب وخارجه ان هذا الزخم ما كان من شأنه ان ينمو على هذه الشاكلة المدهشة لو لم يتسلم الناقد المعروف نور الدين صايل مقدرات مركز السينما المغربية ومهرجان مراكش. وبالتالي من المعروف ايضاً ان من يريد ضرب هذا النجاح لا بد له من إزاحة هذا الباحث والإداري الذي جيء به من فرنسا قبل سنوات لإحداث هذه النهضة. وهو منذ ذلك الحين يتعرض الى مضايقات وهجومات لم تفلح في إبعاده ذلك انها كانت تأتي من مصادر متنافرة وخاصة من المتشددين المتطرفين المعروفين بأنهم لا يحبون السينما ولا النجاح. ضمن هذا الإطار كان الأمر متوقعاً لكنه كان من دون تأثير. الجديد اليوم هو ان جهوداً كثيرة بدأت تتضافر لإنجاح الحملة، أغربها جهود سينمائيين لم يكن احد يتوقع تحالفهم مع المتطرفين من كارهي السينما وفنون الحياة عموماً، فهؤلاء السينمائيون بدأوا ينضمون الى الحملة عبر مقالات وتعليقات تنشرها خاصة صحيفة «المساء» اليومية التي يشارك سينمائي معروف في ملكيتها وتحريرها. امام هذا الواقع الجديد هب المثقفون المغاربة في حملة تستهدف الدفاع عن نور الدين صايل وبالتالي عن مستقبل السينما في المغرب، عبر بيانات وعرائض ومواقف تؤكد ان المسألة باتت ابعد من ان تكون شخصية بل هي تستهدف حرية الثقافة ووجود السينما. اليوم تبدو المعركة محتدمة وللمتابعة. ساليس يحقق «على الطريق» لجاك كيرواك وكوبولا يكتفي بالإنتاج منذ زمن بعيد يحلم سينمائيون بتحويل واحد من اشهر الكتب الروائية في القرن العشرين الى فيلم سينمائي. لكن اياً منهم لم يحقق هذا الحلم حتى الآن. وحسبنا هنا ان نذكر أن هذا الكتاب ليس سوى رواية «على الطريق» للكاتب الأميركي جاك كيرواك حتى ندرك السبب. فهذه الرواية معروفة بكونها عصية حتى على القراءة وذلك منذ صدورها اوائل سنوات الخمسين من القرن العشرين معلنة رسوخ ادب البيتنكس وبالتالي جيل البيتنكس برمته. وحين يكون كتاب صعب القراءة لا يكون تحويله فيلماً بالأمر السهل. ومن هنا خابت احلام السينمائيين الذين كان آخرهم، كما نعلم، فرانسيس فورد كوبولا الذي وصل قبل سنوات الى شراء حقوق الرواية معلناً منذ ذلك الحين، عاماً بعد عام انها سوف تكون مشروعه المقبل، لكن السنوات مرت ووجد كوبولا نفسه يجدد العقد ويدفع المزيد من المال تبعاً لذلك ثم لا شيء. فلا هو حقق الحلم ولا ترك غيره يحاول. ولكن يبدو أن هذا كله سيصبح قريباً من التاريخ. اذ اعلن المخرج البرازيلي والتر ساليس انه يشتغل الآن جدياً على كتابة السيناريو لفيلم عن الرواية يخرجه بنفسه. اما الانتاج فسوف يتولاه كوبولا تحديداً. اذاً سيكتفي صاحب العراب بدور المنتج لعمل حلم به طويلاً وادرك كما يبدو انه لن يتمكن من تحقيقه بنفسه ابداً! ساليس الذي كان حقق شهرة كبيرة على الأقل في فيلمي «طريق» هما «محطة البرازيل» وخاصة «يوميات سائق دراجة كهربائية» – عن تجوال غيفارا وصديق له في ارجاء اميركا اللاتينية – قال في مؤتمر صحافي في «كان» ان كوبولا هو الذي اتصل به وأقنعه بتولي المشروع بعدما شاهد فيلميه هذين. مهرجان دبي يقدم عشرة آلاف دولار لجمعية سينمائية لبنانية من الأخبار التي اعلنت بضجة استثنائية في «كان» خبر أتى من موفدي مهرجان دبي السينمائي وتناقلته المطبوعات المتخصصة هنا في شيء من الدهشة مع كثير من الترحيب. الترحيب لأن المهرجان الخليجي أبدى فيه اهتماماً بسينما بلد مثل لبنان لم يعتد على نيل اي دعم سينمائي إلا من اوروبا. وبالتالي اعتبر الأمر لفتة عربية جديرة بالتنويه، خاصة ان الطرف اللبناني هو مجرد جمعية شابة تهتم بالعروض السينمائية الطليعية اكثر مما تهتم بالانتاج او ما يشبهه. الجمعية هي «بيروت دي سي» التي اعتادت ان تقدم مواسم عروض سينمائية اوروبية ناجحة. اما الدهشة فتتعلق بالشكل الذي اتخذه اعلان الخبر بقدر ما تتعلق بالمبلغ محور «الاتفاق بين مهرجان دبي وجمعية بيروت دي سي» كما جاء في عناوين الخبر قبل ان يكتشف القراء ان المسألة ليست اكثر من دعم متواضع يقدم من «دبي» الى الجمعية اللبنانية. فقيمة الدعم لا تبرر كل ذلك الصخب الإعلامي في وقت تعاني فيه الإمارة الخليجية الطموح ازمة اقتصادية خانقة تجعل كثراً ينظرون بشيء من الحسرة الى ازدهار الجناح الكانيّ الذي اقامه المهرجان المنافس، مهرجان ابو ظبي، مستقطباً السينمائيين والصحافيين من شتى انحاء العالم موفراً للضيوف العرب نادياً حقيقياً. او لعل هذا كله اعطى الخبر الذي نتحدث عنه هنا قيمته على رغم تواضع المبلغ! السينما الفلسطينية الغائبة في «كان» تحضر في الدنمارك منذ سنوات عدة لم يحدث ان مرت دورة من مهرجان «كان» إلا وكان فيها حضور لفيلم فلسطيني او اكثر. لكن دورة هذا العام خالية تماماً من اي انتاج فلسطيني جديد. ومن البديهي ان الحق ليس على المهرجان ولا على لجان الاختيار فيه. الحق على الإنتاج نفسه، إذ خلال العام الفائت لم يحقق اي فيلم فلسطيني جديداً آثر اصحابه خصّ «كان» به. ومع هذا ثمة حضور لفلسطين لافت من خلال فيلم جان - لوك غودار طبعاً (راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة) كما ثمة حضور لعدد من السينمائيين الفلسطينيين من بينهم مي المصري التي اعلنت في «كان» عن بدئها قريباً في تصوير فيلمها الروائي الطويل الأول بعد سنوات من العمل في السينما الوثائقية. ولقد بات شبه مؤكد الآن ان المصري ستسند بطولة فيلمها المقبل الى نسرين فاعور التي تألقت قبل عام ونيّف في بطولة فيلم «أمريكا» لشيرين دعيبس. مع العلم أن احداث الفيلم تدور في سجن اسرائيلي للنساء. وفي انتظار بدء المصري في تحقيق مشروعها كما في انتظار مشاريع فلسطينية مقبلة، تحضر فلسطين من الدنمارك عبر فيلم روائي وثائقي حققه عمر الشرقاوي الفلسطيني المقيم في الدنمارك عنوانه «ابي من حيفا» وهو فيلم ينطلق موضوعه من علاقة الجيل الفلسطيني الجديد بالأجيال السابقة من خلال علاقة المخرج نفسه بأبيه الذي يقوم بدوره الخاص في الفيلم الذي ينطلق من رحلة يأخذ فيها الابن اباه الى دمشق وحيفا وعبرها الى ماضيه وماضي القضية.