الأرجح أن لا شيء يزحزح مدينة برشلونة الإسبانيّة وعاصمة مقاطعة كاتالونيا، عن اهتمامها الهائل باللاعب الأسطوري ليونيل ميسي، الهدّاف البارع في فريق كرة القدم الذي يحمل اسم تلك المدينة، سوى استضافتها السنوية حدثاً تقنياً يعتبر الأبرز عالميّاً في الاتصالات المتطوّرة للخليوي. وفي ظل تزايد انتشار شبكات الاتصالات المتنقلة بالموجات العريضة النطاق («برود باند» Broad Band)، وتوجّه الحكومات إلى إنشاء مدن ذكيّة واهتمام القطاعين العام والخاص بظاهرة «انترنت الأشياء» Internet of Things، طغى موضوع التحوّل إلى الجيل المقبل لشبكات الخليوي على أعمال «المعرض العالمي للهواتف المتحركة- برشلونة 2016» Mobile World Congress- Barcelona 2016 ونقاشاته وحواراته، بل حتى ما عرض فيه من أدوات وأجهزة أيضاً. إذ ساد ما يشبه الإجماع على القول أن الخطوة المقبلة في تطوّر الهواتف الخليويّة تتمثل في الجيلين اللذين يسمّيان تقنيّاً «الجيل الرابع والنصف 4.5» و «الجيل الخامس 05». وفي سياق ذلك المعرض الذي اختتمت أعماله قبل أيام قليلة، أكّد أقطاب صناعة الاتصالات عالميّاً، وجود تحديّات كبيرة يتوقع أن تواجه صناعة الاتصالات اللاسلكيّة خلال الخمس سنوات المقبلة. ولعل الأبرز في تلك التحدّيات يتمثّل في العمل على إعداد الشبكات لاستيعاب نقلة نوعيّة في الاتصالات عبر الانترنت، ما يجعل سرعة تلك الاتصالات تتعدى ال10 غيغابت في الثانية، وهو الرقم الذي يميّز شبكات الجيل الخامس للخليوي. وفي الوقت الذي يتحدث العالم عن سرعة 10 غيغابت في الثانية، قدّمت شركة «هواوي» Huawei الصينية، التي احتلت إحدى أكبر المساحات المفردة في المعرض، مفاجأة أثارت دهشة كبرى لدى أقطاب صناعة الاتصالات الخليويّة. وتمثّلت تلك المفاجأة التقنيّة المدويّة بدراسة أنجزتها «هواوي» مع شركة «دويتشة تيليكوم» تثبت إمكان الوصول إلى سرعة 70 غيغابت في الثانية في الاتصال لاسلكيّاً بالانترنت، بواسطة شبكات الجيل الخامس الخليوي، ما طرح تحديّاً تقنيّاً ضخماً أمام شركات الاتصالات الخليوية، عالميّاً وعربيّاً. وعي خليجي متقدّم في هذا الصدد، بدا أن شركات الاتصالات الخليجيّة، كانت على وعي كامل بهذا التحدي. ففي ذلك المعرض الكاتالاني، وقع معظمها على مذكرات تفاهم مع شركة «هواوي» في شأن تطوير البنية التحتية لشبكات الخليوي الخليجيّة، كي تستوعب الطفرة المنتظرة في سرعة تدفق المعلومات عبر شبكات الجيل الخامس للخليوي. وشملت أسماء تلك الشركات، «زين» و«اتصالات» الإماراتيّة، و«أريد» الكويتيّة و«موبايلي» السعوديّة. وفي إطار تسريع عملية التحوّل الرقمي، استغلّت «هواوي» الدورة الحالية من «المؤتمر العالمي للهواتف المتنقلة» لإطلاق مبادرات شتى في قطاع صناعة الاتصالات. وتفتح تلك المبادرات أبواباً جديدة أمام مشغلي شبكات الاتصالات الخليويّة في الدول كافة. إذ تعمل «هواوي» مع شركائها وجهات استشاريّة في قطاع البرمجيات الإلكترونيّة، على بناء أنظمة مستدامة مخصصة لصناعة الاتصالات. كما تقدّم الشركة حلولاً متطورة ومتكاملة لعدد من القطاعات المحوريّة كالنقل، والطاقة، والمؤسسات الحكومية، والبنوك والصحة وغيرها. وتتعاون «هواوي» أيضاً مع شركاء من مستويات مختلفة على تبني توجهات جديدة في عالم الاتصالات، على غرار «الجيل الخامس» لشبكات الخليوي، والشبكات المعرّفة بالبرمجيات، وتقنية وظائف الشبكة الافتراضية، والعمليات الرقمية وغيرها من التقنيّات التي من شأنها دفع عجلة التحوّل الرقمي إلى الأمام. وأكد خبراء شاركوا في المعرض الإسباني، أن أحد أبرز التحديات في تقنيات «الجيل الخامس» للخليوي، تتمثل في رسم رؤية تتناسب مع تحقيق الوصول إلى سرعة 10 غيغابت في الثانية، بالترافق مع خفض زمن الوصول إلى جزء واحد من الثانية، وكذلك توفير مساحات رقميّة لما يزيد على 100 بليون جهاز متصل بالشبكات الرقمية في الدول كافة. الابتكار أو الاندثار! في المعرض عينه، تحدّث عن موضوع أجيال الخليوي، ماتس غرانريد الرئيس التنفيذي في مؤسّسة «جي أس أم إيه» GSMA، وهي الهيئة العالميّة المنظّمة للمعرض الخليوي السنوي، إضافة لكونها تمثّل مصالح ما يزيد على 800 مشغّل لشبكات الهواتف النقّالة و250 شركة كبرى في تلك الصناعة. وأوضح غرانريد أن تقنية الهواتف المتحركة «لعبت بالفعل دوراً كبيراً في ربط العالم ببعضه البعض»، لكنه حذر من أن تعيش الصناعة على أمجادها، مطالباً بأن يواصل أقطابها السعي إلى البحث والتطوير، «وإلا فإنّ ما جمعنا في هذا المعرض، لن يكون موجوداً». ووصف الخمس سنوات المقبلة بأنها ستكون «مرحلة الغيغابت». وبعيداً من صناعة الشبكات، شهد «المعرض العالمي للهواتف المتحركة- برشلونة 2016» منافسات تقنيّة كبرى، اتّخذت هيئة إطلاق خليويّات وأدوات رقميّة وأجهزة لوحيّة، إضافة إلى أنواع من الروبوت. واستبقت شركة «هواوي» المعرض، بأن أطلقت عشية افتتاحه رسميّاً جهازاً حمل اسم «مايت بوك» Mate Book. ويجمع ذلك الجهاز الهجين بين ال «تابلت» والخليوي، إضافة لكونه أولاً في تلك الفئة بالنسبة للشركة التي صنعته. وقدّم ريتشارد يو، الرئيس التنفيذي ل «هواوي» ذلك الجهاز مشيراً إلى أنه يعمل بواسطة نظامين للتشغيل، ال «آندرويد» و «ويندوز 10»، ويملك شاشة بقياس 12.9 إنش، ويعمل بواسطة رقاقة إلكترونيّة متطوّرة صنعتها شركة «إنتل»، إلى جانب امتلاكه لوحة مفاتيح قابلة للفصل، وإمكان الكتابة على شاشته بواسطة قلم إلكتروني. وفي «معرض برشلونة 2016»، قدّمت شركة «آل جي» LG الكورية هاتفها الجديد «جي 5» G5 الذي يتمتع ببطاريّة قابلة للاستبدال بسهولة بواسطة مقبض متحرّك، وهي خاصيّة تراهن عليها الشركة لجذب من يرغب في تجديد بطارية الخليوي بدلاً من الاستمرار في شحنها مرّة بعد اخرى، مع معاناة انخفاض قدراتها عقب عمليات إعادة الشحن. وكذلك قدّمت شركة «سامسونغ» Samsung الكوريّة الجنوبيّة، هاتفيها المبتكرين «غلاكسي إس7» Galaxy S7 و«غالكسي إس7 إيدج» Galaxy S7 Edge. وانتهزت شركة «سوني» SONY اليابانيّة مناسبة المعرض الإسباني العالمي، كي تقدّم سلسلة جديدة من خليويّات «إكسبيريا إكس» Xperia X، لافتة إلى أنها مزوّدة بكاميرات رقميّة متطوّرة تشتمل على تقنيّات حديثة متنوّعة. ما بعد "التطور الطويل الأمد" في أروقة «معرض برشلونة للخليوي»، تدفّق كلام كثير عن تقرير أصدرته أخيراً شركة «هواوي» ومؤسسة «آي دي سي» IDC العالميّة المختصّة ببحوث أسواق المعلوماتيّة والاتصالات المتطوّرة، إذ أورد ذلك التقرير قراءة معمّقة لمتغيّرات الاتصالات وشبكاتها في الشرق الأوسط. ولاحظ التقرير ميلاً لتحديث الشبكات المحليّة كي تتوافق مع التطوّر الحاصل في نظيراتها عالميّاً، وهو ميل سائد في قطاعات عدّة من خدمات المدن في منطقة الشرق الأوسط كالنقل وإدارة الطاقة والخدمات الحكومية والسلامة العامة والرعاية الصحية وغيرها. ولفت أيضاً إلى سعي عدد من شركات الاتصالات في المنطقة إلى دعم الخطط الحكومية في إنشاء المدن الذكيّة. خيار مثالي لاحظ التقرير عينه أن المرحلة الحالية تتسم بالميل لاستخدام شبكات «الجيل 4.5»، وهو ما يعني الخروج من المرحلة التقنيّة تحمل اسم «التطوّر طويل الأمد» Long Term Evolution التي هي مسمّى آخر لشبكات «الجيل الرابع» للخليوي. وبيّن التقرير عينه أيضاً أن الانتقال من «الجيل 4.5» إلى «الجيل الخامس» 5G، يتعلّق بإحداث زيادة في سرعة الإنترنت التي تكون 01 غيغابت في الثانية في «الجيل 4.5»، و10 غيغابت في الثانية بحلول عام 2020 في «الجيل الخامس» لشبكات الخليوي. وأوضح المتحدّث الإعلامي باسم الشركة عمّار طبة، أن منطقة الشرق الأوسط اتجهت إلى تبنّي خدمات عالية السرعة كخيار مثالي لشبكات الاتصالات المتنقلة، منذ إطلاق الشبكة الأولى للجيل الرابع بتقنية التطور الطويل الأمد (4G LTE) في عام 2011. وبيّن طبة أنه على مدار السنوات الأربع الماضية، كانت منطقة الخليج من بين أوائل البلدان المهتمة بمواكبة التطورات التقنية في عوالم الاتصالات اللاسلكيّة. ولاحظ أيضاً أن خدمات شبكة «الجيل الرابع» للخليوي، منحت كثراً من المستهلكين فرصة الاستمتاع بسرعة تصل إلى 10 أضعاف السرعة التي وفرتها الشبكات الخليويّة التي سبقتها. وأشار إلى أن معظم المختصّين بشؤون الاتصالات المتطوّرة يلاحظون أن حركة تراسل البيانات عبر شبكات «الجيل الرابع» للخليوي، باتت الأكثر شيوعاً في العالم بأسره. الديموغرافيا بوصفها محفّزاً لاحظ سافدر نازير، نائب الرئيس في قطاع «المدن الذكيّة» في شركة «هواوي»، أنّ الشركة انخرطت في تقنيات الجيل الخامس منذ عام 2009، وحقّقت إنجازات كبيرة في ابتكار الأنظمة الرقميّة المتكاملة لشبكات الجيل الخامس للخليوي، بما في ذلك التقنيات المتصلة بالواجهات التفاعلية والبنى التحتيّة للإشارات اللاسلكيّة. وأشار نازير إلى أن دول الخليج تهتم في شكل كبير بتطوير شبكاتها في الاتصالات اللاسلكيّة للخليوي، وإنشاء مدن ذكيّة، إضافة إلى تعمّق توجهها في إنماء الاقتصاد الرقمي، وسرعة تبنيها «إنترنت الأشياء»، مع تنبّهها المتصاعد لأهمية أمن الشبكات كافة. وأوضح نازيز أن الإمارات والسعودية والبحرين وقطر تعمل حالياً على تطوير مدن ذكيّة، يشجعها على ذلك كونها دولاً فتيّة يشكل الشباب نسبة كبيرة من سكانها، على عكس الحال في دول أوروبا العجوز. وربط نازير بين ذلك المعطى الديموغرافي من جهة، وتسنّم معدل نمو تقنية المعلومات في دول الخليج العربي موقعاً متقدّماً عالميّاً، من الجهة الثانية. وأعرب نازير عن اعتقاده بأن تطوير شبكات «الجيل 4.5» للخليوي، بات شديد الوضوح في منطقة الخليج، خصوصاً عبر علاقة تلك الشبكات مع خطط خليجيّة لتطوير المدن الذكيّة في دولها. واعتبر أنه من البديهي القول أن المناطق الحضرية المتصلة والذكيّة في دول الخليج العربي، تحتاج إلى توافر شبكات اتصالات متنقلة تستعمل موجات لا سلكيّة عريضة النطاق في الدخول إلى الإنترنت. وبصورة عامة، يتطلّع مشغلو شبكات الاتّصالات الخليويّة في القطاعين الحكومي والخاص في دول الخليج العربي، إلى النتائج الإيجابيّة المتوقّعة من استخدام شبكات «الجيل الخامس» للخليوي. ويُعقد الرهان تقنيّاً على تحسين مستوى نوعيّة الاتّصالات وسرعاتها، وزيادة الإضافة التي تقدّمها الاتصالات المتطوّرة في رفع كفاءة الأداء في مجموعة واسعة من القطاعات الاقتصاديّة، إضافة إلى دفع عجلة تطوير المدن الذكيّة التي ترتكز خدماتها الأساسيّة على التقنيّات الرقميّة.