وضعت أمانة مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي حداً لسلسلة الخلافات التي تفجّرت بين أكثر من 200 فقيه إسلامي يمثّلون مختلف المذاهب والانتماءات الإسلامية، شاركوا في فعاليات الدورة ال 19 لمؤتمره المنعقدة في إمارة الشارقة في الإمارات. وطوال أسبوع كامل، استمرت نقاشات الفقهاء المسلمين وتعالت أصوات خلافاتهم في الكثير من الأمور الفقهية التي تمحورت حول محاور عدة استهلوها بأبعاد وضوابط الحرية الدينية في الشريعة الإسلامية قبل أن ينتقلوا إلى أحكام وضوابط حرية التعبير، والعنف في نطاق الأسرة، والحفاظ على البيئة من منظور إسلامي، ودور الرقابة الشرعية في ضبط أعمال البنوك الإسلامية، ووقف الأسهم والصكوك والحقوق المعنوية والمنافع، وتطبيق نظام البناء B.O.T في تعمير الأوقاف والمرافق العامة، وحقيقة وأنواع التورق، وتداول الصكوك الإسلامية وتطبيقاتها المعاصرة، وقضية صوم مريض السكري، والإذن في العمليات الجراحية المستعجلة. وفجّر فقهاء إسلاميون مفاجأة من العيار الثقيل في أولى جلسات المؤتمر والتي خصص النقاش فيها لموضوع الحرية الدينية في الشريعة الإسلامية، بكشفهم تعرض دول إسلامية إلى ضغوطات خارجية كبيرة واستفسارات وانتقادات غربية بخصوص حرية مواطنيها دينياً، وأشعلت مطالبة بعض الفقهاء بضرورة التخلي عن الأحكام القاسية بحق المرتد وعدم قتله، فتيل الخلاف داخل أروقة القاعة المخصصة للمناقشة، لتتعالى وتيرة النقاش وتزيد فوهة الخلاف بين الفقهاء المشاركين الذين احتد بعضهم في حين رد آخرون بعنف. وتفرعت مناقشات فقهاء المسلمين من أصل الحرية الدينية إلى فرع قضية المرتد، حيث طالب بعضهم بالتساهل والتهاون معه، عوضاً عن تطبيق الأحكام المغلظة والتي يرون أنها لا تناسب العصر الحالي، ليشتاط فقهاء آخرون غضباً ويشددوا على أن الأدلة المثبتة توجب تطبيق الحد على المرتد وقتله ورفضوا تغيير الأحكام الإسلامية كونها صالحة لكل زمان. ومع تواصل النقاشات طعنت الفئة الأولى في صحة أدلة عقوبات المرتد ونفت كونها حداً من الأصل، وهو ما دفع خبير المجمع الفقهي وعضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء وعضو لجان المناصحة الدكتور محمد بن يحيى النجيمي للرد بقوة على من ذهبوا إلى عدم وجود إجماع من العلماء في قضية قتل المرتد مستنداً إلى أنه لا اجتهاد مع النص «كلامهم غير صحيح ولكن العلماء اختلفوا حول المدة التي يتم فيها تنفيذ العقوبة هل هي ثلاثة أيام أم أسبوع أم أشهر، فهذا الأمر متروك لولي الأمر هو الذي يحدد متى ينفذ». وتساءل الدكتور النجيمي عن دور المنظمات الحقوقية الدولية التي تثير كل يوم مشكلة وتدعي دفاعها عن حقوق الإنسان، وقال: «هذه المنظمات لن تسكت حتى لو تجاوبنا معهم في كل شيء، وهذا لن يكون ولن نقبل من أحد أن يعلمنا أمور ديننا، وأين هؤلاء من قضية فلسطين؟ وأين هم من الهجوم الإجرامي على غزة وانتهاك المواثيق الدولية كافة». واستغرب وزير الأوقاف المصري محمود زقزوق موجة الاعتراضات على آرائه وبحثه حول الحرية الدينية الذي أثار جدلاً واسعاً وموجة خلافات كبرى بين الفقهاء المشاركين والذين انبرى جلهم لمناقشته ومجادلته، وقال وزير الأوقاف المصري ل «الحياة» : «أنا أقول إن الحرية الدينية حق مكفول لكل إنسان، ولا يجوز لأحد أن يسفه رأي أحد، لقد جئنا لنناقش ونعرض آراءنا ولكل منا رأيه، أما إذا كانت الأمور مقررة سلفاً فلننصرف ونذهب إلى بيوتنا، وحقيقة لا أدري لماذا وضعت قضية الحريات الدينية على جدول الأعمال إذا كانت ستسبب كل هذه الانفعالات؟!، وبصراحة علينا أن نبحث الأمر بجدية ونصل إلى الصواب، لا أن نتبادل الاتهامات»، الحرية الدينية لم تكن استجابة لضغوط وذكر الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي الدكتور عبدالسلام العبادي أن الأسباب التي جعلت قضية الحريات الدينية تحتل الصدارة في مناقشات هذه الدورة تتمثل في « طلب الكثير من وزارات الدول الإسلامية ووزارات الخارجية في دول منظمة المؤتمر الإسلامي من المجمع بصفته يمثل المرجعية الشرعية لدول منظمة المؤتمر الإسلامي إصدار قرار أو بيان يخص هذا الموضوع الشائك، وكان من المفترض أن تخصص ندوة لدرس الموضوع، ولكن للرغبة الملحة لدرسه تم إدراجه ضمن جدول أعمال هذه الدورة، واستكتبنا عدداً من الباحثين، ولا بد من أن أؤكد أن طرح قضية الحريات الدينية لم يكن بضغوط من أحد، ولكن لأن دولنا ومؤسساتنا الشرعية تواجه استفسارات عن هذا الموضوع، ولا بد من مرجعية شرعية لإعداد الرد والإجابة عن جميع هذه التساؤلات، وقد جاءت جميع البحوث لتدرس القضية من جميع أوجهها الشرعية، ولم أجد أي طرح خارج إطار الشرعية». وحسم مجمع الفقه الإسلامي الدولي خلاف الفقهاء حول قضية الردة حيث خلص الفقهاء المنتمون إلى مجلسه إلى أن «الفتوى بالردة أو التكفير مردّها إلى أهل العلم المعتبرين، مع تولي القضاء ما اشترطه الفقهاء من الاستتابة وإزالة الشبهات خلال مدد الإمهال الكافية تحقيقاً للمصلحة الشرعية المعتبرة فضلاً عن أن « المجاهرة بالردة تشكل خطراً على وحدة المجتمع الإسلامي وعلى عقيدة المين وتشجع غير المسلمين، أو المنافقين، لاستخدامها في التشكيك، ويستحق صاحبها إنزال العقوبة بالمرتد من القضاء دون غيره، درءاً لخطره، وحماية للمجتمع وأمنه، وهذا الحكم لا يتنافى مع الحرية الدينية التي كفلها الإسلام لمن يحترم المشاعر الدينية وقيم المجتمع والنظام العام». وفي ما يخص الرقابة الشرعية على البنوك، تباينت كالعادة آراء الفقهاء حول الموضوع، فمنهم من رأى أن تتولى الجمعيات العمومية للبنوك الإسلامية تعيين هيئة الرقابة الشرعية، بينما طالب آخرون بإنشاء هيئة خاصة خارج البنوك تتولى الرقابة الشرعية على نشاط تلك البنوك في حين فضل آخرون أن يكون لقرارات مجمع الفقه الإسلامية الإلزامية لهيئات الرقابة الشرعية.