كنت أعرف رجلاً يكذب كما يتنفس، كان لو أقسم أنه يكذب ما صدقته، وحتى عندما مات ورأيته مسجى في النعش لم أصدقه. عادت إليّ ذكرى ذلك الرجل وأنا أقرأ هذا الشهر في «الديلي ميل» اللندنية تحقيقاً عن كذب المشاهير عنوانه «كوكايين على أنفي؟ هذا مجرد كريم»، والعبارة تعود الى نجمة المجتمع باريس هيلتون التي صُوِّرت وقد بدا بوضوح داخل أنفها مادة بيضاء. الجريدة قدمت مجموعة ظريفة من الأعذار الواهية المفضوحة: - العارضة الحسناء نعومي كامبل قالت إن سبب فورات غضبها التي انتهت بها في المحاكم سببها شعورها بالإهمال، وهي التي يتمنى شباب العالم وشيبه نظرة منها. - المغنية إيمي واينهاوس شوهدت مخمورة تمشي على أربع وتسرق الخمر عن طاولات زبائن فندق، فقال أبوها إنها كادت تموت مرتين وأصبحت الآن أفضل، وهي كانت تمزح فقط. - الممثلة وينونا رايدر ضبطت وهي تسرق من متجر في بيفرلي هيلز فقالت إنها كانت تتدرب على دور لها في فيلم مقبل. - الممثلة ليندسي لوهان أوقفها البوليس وهي تقود سيارتها، ووجد في جيوبها كوكايين فقالت إنها استعارت البنطلون من دون أن تعرف ما فيه. - مثل ما سبق زعم المغني بوي جورج بعد ضبط كوكايين في شقته في نيويورك أنه رجل اجتماعي ويزوره كثيرون هم المسؤولون عن المخدرات، المحكمة لم تصدقه. - المغنية ليلي آلن شوهدت في حفلة لمجلة «إل» وهي تشرب خليطاً من الخمور، وسقطت أرضاً خلال الحفلة وحملت الى الخارج. وزعمت بعد ذلك أن هناك من دس لها شيئاً في شرابها. كما يرى القارئ الكذب في القصص السابقة موضوعه خمر ومخدرات، إلا أن هذا بين المشاهير، أما بين الناس الآخرين فيزيد ليشمل كل موضوع آخر واحتمال، وكلمة «أحبكِ» أو «أحبكَ» تحمل في طياتها الكذب حتى لو كانت صحيحة ساعة قولها، لأنها لن تبقى صحيحة الى الأبد. في الغرب، الرجل يكذب ليحصل على الجنس، والمرأة تكذب لتحصل عبر الجنس على ما تريد، وهو يقول لها إنها أجمل امرأة في العالم، وهي تقول له إنها لم تعرف رجلاً قبله، وهو يعد بأن يتصل في الصباح، وهي تبحث عنه ولا تجده. كل من يقرأ هذه الزاوية بانتظام لغرض تعذيب النفس، أو لأنه عاطل من العمل، يعرف أنني نصير المرأة و «قاسم أمين» عصري. مع ذلك أحمّل المرأة المسؤولية كاملة إذا كذب عليها رجل فهي تصر على أن تسأله، ولا أفهم لماذا تتوقع منه قول الحقيقة، وهي تدرك أنها ستكذب لو كانت في مثل وضعه، وتتعرض لوابل من الأسئلة. ثم ألوم المرأة والرجل إذا صدّقا وعود مرشح في انتخابات، فالمرشح هذا لا يستحق مقعداً في البرلمان إذا لم يكن كذاباً محترفاً. ومع ذلك يبقى كذب السياسي مفيداً لأن ما يقول خرافة فيبحث السامع عن الحقيقة في كل مكان إلا حيث وضعها السياسي. إذا كان القارئ والقارئة يهتمان بموضوع الكذب المتبادل الى درجة تتجاوز ما توفره مساحة هذه الزاوية فهناك عبر الإنترنت مواضيع كثيرة من أشهر الكذبات المتبادلة، وبعضها بالعربية، إلا أنني أتجاوزها هنا لأن أكثرها معروف مثل قوله لها إنها رشيقة لم يزد وزنها غراماً واحداً بعد 20 سنة زواج، وهي أصبحت في حجم شقة من غرفتي نوم وصالون وشرفة، وهي تقول له إنه حافظ على شعره ولونه ورونقه، وقد أصبح أكثر صلعاً من كرة «ستوكر»، وحظه في استرداد ما سقط من شعره مثل حظ تلك الكرة. أحياناً تكون الحقيقة أغرب من الخيال، وهي أغرب ما تكون في فم عاشق يعتقد أن الحب يدوم. وحتى من دون عشق نعرف جميعاً أن المرأة متهمة بممارسة الكذب، إلا أن من يتهمها رجل يكذب أكثر من مذيع الطقس على التلفزيون. هل يعرف القارئ أن الشيطان في جميع الأديان ذكر؟ هو يكذب على الإنسان ليضلّه، وبعضهم لا يحتاج الى تشجيع كثير ليبعد عن الطريق القويم. وسمعت عن حمصي أو كردي حوله ستة عفاريت، واحد يُوسوس له وخمسة يشرحون. المهم في الموضوع هو أن نذكر المثل «إذا وقعت يا فصيح، لا تصيح» وأن تنكر بحدة وشدة وإصرار وتكرار، حتى لو كان هناك صوت وصورة، كما فعل المشهورون والمشهورات في الأمثلة التي بدأت بها. وأخيراً، فالحسناء أمام طاولة الروليت في لاس فيغاس تحاول أن تكسب مالاً أو أحد الشباب حول الطاولة، وتقول بصوت مسموع مع ابتسامة عذبة أنها حلمت أنها ستربح إذا راهنت على عمرها، وتضع الرهان على الرقم 21 وتقف الكرة عند الرقم 36 ويغمى عليها، غفر الله لها ولكل الكذابين. [email protected]