حملت موسكو بقوة على ما وصفتها «التصرفات العدوانية التركية في سورية» وأكدت دعمها إجراء «تقويم دقيق لجرائم أنقرة» أمام مجلس الأمن. وفي حين أكدت روسيا تمسكها ب «الرئيس الشرعي بشار الأسد»، أشار رئيس الوزراء ديميتري مدفيديف إلى أن «نطاق وفترة العمليات العسكرية الروسية في سورية يقررهما الرئيس فلاديمير بوتين وليس الأسد». وأعربت الخارجية الروسية عن «قلق موسكو الجدي من التصرفات العدوانية للسلطات التركية في سورية». وأفاد بيان أصدرته الوزارة بأن موسكو تعتبر التصرفات التركية «دعماً سافراً للإرهاب الدولي وانتهاكاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، والالتزامات التي أخذتها تركيا على عاتقها كدولة مشاركة في المجموعة الدولية لدعم سورية»، مضيفاً أن روسيا «تدعم بحث هذه المسألة في مجلس الأمن الدولي لإعطاء تقويم دقيق للاستفزازات التركية التي تشكل تهديداً للسلم والأمن في منطقة الشرق الأوسط وخارجها». ولفتت الوزارة إلى توافر معطيات لدى موسكو تؤكد «استمرار تركيا بالسماح لمرور عصابات مسلحة متطرفة جديدة إلى سورية لدعم فصائل «جبهة النصرة» و «داعش» وغيرهما من المنظمات الإرهابية التي لحقت بها أضرار جسيمة خلال المعارك». في الأثناء، حذّر نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف من احتمال «تفكك سورية بالكامل في حال غادر بشار الأسد السلطة». وأوضح أن الأسد «كان يستطيع تفادي التصعيد لو قام بإصلاحات ديموقراطية في الوقت المناسب... لكن مغادرته الآن قد تؤدي إلى تفكيك سورية بالكامل». وأضاف في حديث لصحيفة «شبيغل» نُشر أمس «أن الولاياتالمتحدة أيضاً باتت تدرك هذا الأمر»، موضحاً أن «الأسد هو الرئيس الشرعي لسورية. الأميركيون طلبوا منا أكثر من مرة أن نقرر معاً من سيحكم سورية، ونحن مثل هذه الأشياء لم نقم بها ابداً، هذا يقرره السوريون وحدهم». وأكد غاتيلوف أن روسيا «ستواصل حربها ضد الإرهابيين حتى لو تم تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار»، مضيفاً أن «الغارات على المجموعات الإرهابية ستستمر في كل الحالات... ووقف إطلاق النار يجب أن يشمل فقط المهتمين ببدء المفاوضات، وليس الإرهابيين». وكان رئيس الوزراء ديميتري مدفيديف قال أن بلاده «لا تخطط للبقاء في سورية في شكل دائم»، لكنه أردف أن «فترة العمليات العسكرية الروسية ونطاقها، يحددهما الرئيس الروسي، بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وليس أي شخص آخر بما في ذلك بشار الأسد». وأوضح انه «لا يوجد هدف لدينا للبقاء في سورية في شكل دائم. نحن نقوم بعمل معيّن ومحدود لحماية المصالح الوطنية، وبناء على طلب من الرئيس السوري، والأخير لا يحدد نطاق العملية الروسية وفترة وجود قواتنا هناك، بل السلطات الروسية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة الروسية أي الرئيس الروسي». وعلى رغم تأكيده المواقف المعلنة سابقاً لروسيا، لكن مدفيديف الذي يوصف بأنه يمثّل التيار المعتدل في السلطات الروسية أكد أن موسكو «لا تريد أي مواجهة أكانت في دول البلطيق أو في تركيا أو في أي مكان آخر. لدى روسيا الكثير من المشاكل الخاصة بها، بما في ذلك الاقتصاد». كما تطرّق إلى تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول اتهام الأسد بارتكاب جرائم ضد الانسانية في سورية، وقال: «يجب درس تقرير بعثة الأممالمتحدة، الذي حمل الرئيس السوري بشار الأسد مسؤولية ارتكاب جرائم حرب، بتمعن، وبالطبع في حال كانت هذه الإثباتات مؤكدة، يجب أن تحوز تقييماً قانونياً دولياً». ويُعد هذا أول تعليق على مستوى روسي رفيع على صدور التقرير، علماً أن الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا كانت شددت في حديث مع الصحافيين على أن موسكو «لم تدافع عن الأسد ونعلم انه ارتكب أخطاء»، لكنها تجنّبت التعليق على التقرير الاممي أو الإشارة الى ضرورة درسه. وجدد رئيس الوزراء الروسي تأكيد موقف موسكو بأنها تشن ضربات في سورية لحماية مصالحها الوطنية بالدرجة الأولى، وزاد أن «هناك العديد من المقاتلين في سورية يمكن أن يذهبوا إلى روسيا في أي وقت وينفذوا عمليات إرهابية». وتطرق رئيس الوزراء إلى المساعي الديبلوماسية لإيجاد حلّ للأزمة السورية، معرباً عن «تفاؤل حذر حول آفاق التعاون» الدولي في شأن سورية، مضيفاً أنه «ما لم نتعاون معاً في هذه القضية، لن تكون نهاية للحرب في سورية، وسيستمر القتل، وسيستمر تدفق اللاجئين بأعداد غفيرة إلى أوروبا التي سيتعين عليها التعامل مع تحديات كبيرة، والأهم من ذلك كله، لن نكون قادرين على التغلب على الإرهاب الذي يشكّل تهديداً للحضارة الإنسانية برمتها». وتابع أن «أكثر ما يهم في هذه المرحلة هو الاتفاق على إطلاق محادثات بين جميع أطراف النزاع السوري»، مضيفاً: «شيء آخر مهم هو تنسيق قائمة الجماعات الإرهابية، هناك مناقشات لا نهاية لها حول من هو جيد ومن هو سيئ. وأعتقد أن كل شيء يجب أن يكون واضحاً في هذا الصدد». وانتقد مدفيديف تصريحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري التي اتهم فيها روسيا وإيران بعدم بذل المساعي الكافية من أجل تسهيل الحل الديبلوماسي، وقال أن الولاياتالمتحدة يمكن أن تنضم إلى بلدان أخرى في تنفيذ عملية برّية في سورية. ورغم أن مدفيديف سعى إلى إظهار مرونة أكبر في مواقفه حيال الموضوع السوري في بعض الملفات المتعلقة بالأزمة، لكنه أكد في المقابل موقف الكرملين حول ضرورة أن يشارك الأسد في عمليات التسوية السياسية للأزمة السورية، وأن السوريين هم من يجب أن يحدد مصيره السياسي، مشيراً إلى أن الأسد مستعد للتنازل عن منصبه في حال لم يحصل على دعم شعبي في الانتخابات.