أكدت بنود الموازنة السعودية للعام المقبل 2016 التي أقرها مجلس الوزراء السعودي أمس، التزام الحكومة المتواصل بالمحافظة على مستوى مرتفع من الإنفاق، على رغم استمرار انخفاض أسعار النفط. وعلى رغم الانخفاض الطفيف الذي أقرته الموازنة في الإنفاق، إلا أنه لا يزال مرتفعاً ويثبت إدراك الحكومة للدور الحيوي الذي سيلعبه الإنفاق في دعم الاقتصاد عام 2016. وحول أبرز ما ورد في مرسوم الموازنة، أفاد تقرير لشركة جدوى للاستثمار، بأن الحكومة شددت على التزامها بدعم الاقتصاد بإقرارها موازنة تتضمن أكبر عجز على الإطلاق بالقيمة الاسمية بلغت قيمته 326 بليون ريال، بناءً على حجم إيرادات يبلغ 513.8 بليون ريال ومصروفات تبلغ 840 ريال. وسيتواصل تمويل العجز من طريق المزاوجة بين السحب من الموجودات الأجنبية الضخمة لدى مؤسسة النقد العربي (ساما) والاستدانة من المصارف المحلية. وبلغ صافي إجمالي الموجودات الأجنبية في نهاية تشرين الأول (أكتوبر)640 بليون دولار، في حين ارتفع الدَّين المحلي من مستوى منخفض لم يشهده منذ فترة طويلة عند 44,3 بليون ريال عام 2014 إلى 142 بليوناً عام 2015، ولكنه لا يزال منخفضاً كنسبة من الناتج الإجمالي المحلي عند 5,8 في المئة. وعلى رغم الظروف العالمية التي تشهد هبوطاً حاداً في أسعار النفط، فإن المملكة حافظت على مستوى مرتفع من الإنفاق في موازنة 2016، وبقي قطاعا التعليم والرعاية الصحية يمثلان أهم بنود الإنفاق الحكومي في الموازنة، إذ شكلت مخصصاتهما مجتمعين نحو 35 في المئة من إجمالي الإنفاق، بينما حظي قطاع الخدمات الأمنية والعسكرية بأكبر نصيب من الإنفاق، إذ شكلت حصته منفرداً نحو 25 في المئة من الإجمالي. وتم تأسيس مخصص بلغت نسبته 22 في المئة لدعم الموازنة العامة لمواجهة النقص المحتمل في الإيرادات. وتوقع أن يكون قد تم خفض الإنفاق الاستثماري إلى 204 بلايين ريال عام 2016، مع الإبقاء على الإنفاق على مشاريع البنيات التحتية الاجتماعية الرئيسة، ويشير ذلك إلى التوجه التدريجي نحو إحكام السيطرة على الموازنة، لكنه يؤكد التزام الحكومة المستمر الإبقاء على مستوى مرتفع من الإنفاق على العنصر البشري والبنيات التحتية الاجتماعية. وعن أداء موازنة العام الحالي، قالت «جدوى» إنه جاء قريباً من توقعاتها، وسجلت أكبر عجز بلغت قيمته 367 بليون ريال، أو 15 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي، وعلى رغم أن هذا العجز يعتبر الأكبر على الإطلاق، إلا أن خفض الإنفاق أدى إلى أن يأتي العجز أقل مستوى مما كان متوقعاً. وأشارت إلى أن هذا العجز في الموازنة هو الثاني على التوالي، ويعود بالدرجة الأولى إلى الهبوط الحاد في الإيرادات والارتفاع في الإنفاق؛ بسبب مصروفات غير متكررة، تتعلق بالمراسم الملكية التي أمرت بصرف بعض المكافآت. وهبطت الإيرادات الفعلية بأكثر من 41,5 في المئة مقارنة بالعام السابق، لتسجل أدنى مستوى لها منذ عام 2009 عند 608 بلايين ريال. وفي تقديرنا أن إيرادات النفط هبطت بنحو 51 في المئة على رغم المستوى القياسي من إنتاج النفط (بلغ المتوسط 10,2 مليون برميل في اليوم من بداية العام وحتى نوفمبر). كما تم خفض المصروفات، للمرة الأولى منذ عام 2002، لتصل إلى 975 بليون ريال، وأقل من مصروفات عام 2014 بنحو 136 بليون ريال. وأظهرت البيانات الاقتصادية الأولية استمرار تباطؤ الاقتصاد السعودي في 2015، إذ سجل الناتج الإجمالي المحلي الفعلي نمواً بنسبة 3,4 في المئة، وتباطأ نمو القطاع الخاص غير النفطي إلى 3,5 في المئة، على أساس المقارنة السنوية، وجاءت أعلى معدلات النمو من نصيب قطاعات النقل، والبناء والتشييد، وتجارة الجملة والتجزئة. وأدى تراجع إيرادات الصادرات النفطية إلى أول عجز في الحساب الجاري منذ عام 1998، عند 6,3 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي، أو بنحو 41,3 بليون دولار. وتوقعت أن تعلن الحكومة في شهر كانون الثاني (يناير) برنامجاً للتحول الوطني يتضمن خريطة طريق لبرامج اجتماعية واقتصادية كبيرة سيتم تنفيذها خلال السنوات الخمس المقبلة، وشهدنا بالفعل الإعلان عن بعض عناصر تلك البرامج مع الموازنة، مثل إصلاح دعم أسعار الطاقة المحلية والتي ينتظر أن يكون له تأثير إيجابي في الإيرادات غير النفطية، كما سيؤدي في الوقت ذاته إلى كبح النمو في استهلاك الطاقة. ومن شأن متوسط إنتاج عند مستوى 10,2 مليون برميل يومياً ومتوسط سعر عند 26,3 دولار للبرميل لسلة الخامات السعودية (نحو 28,8 دولار لخام برنت) أن يستوفيا الإيرادات النفطية المستخدمة في تقديرات الموازنة. ورجحت الشركة أن تتخطى كلاً من الإيرادات والمصروفات الفعلية في عام 2016 المستويات المقدرة في الموازنة، لكن الفرق سيكون أصغر إذ ينتظر أن تصبح الحكومة أكثر ضبطاً لإنفاقها. وتوقعت تحقيق عجز قدره 313 بليون ريال (12,6 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي)، بناءً على سعر للنفط في حدود 47 دولاراً للبرميل لخام برنت في عام 2016.