بين «العشوائيات» وأحياء محدثي الثروة، تدور أحداث غالبية الأعمال الدرامية هذه الأيام. وهو انتقال عاصف بين نقيضين بينهما «ما صنع الحدّاد» من كراهية، ولكن بينهما أيضا غياب الطبقة الوسطى، المنتجة للصناعة، والمنتجة للثقافة أيضاً. قبل عقد تقريباً شاهدنا على الشاشة الصغيرة مسلسل «هوانم غاردن سيتي»، وكان محاولة فنيّة لإنصاف تلك الطبقة، ووضعها في إطارها ومكانها التاريخيين، وإعادة قراءة دورها السياسي والثقافي الذي انهال عليه غبار كثيف لنصف قرن ويزيد من حياتنا العربية. مع ذلك غابت ملامح تلك الفئات الاجتماعية وثقافتها ودورها من جديد، لتصعد أعمال درامية تحاول تقديم أبناء «العشوائيات» وصور حياتهم، وما يقاسونه من ظروف اجتماعية لا إنسانية تفتح الباب للجرائم بأنواعها، كما لعصف التمزّق الأسري والجهل وتفشي المخدرات وغيرها. معظم هذه الأعمال ينطلق من نظر فكري مسبق فيه كثير من القوالب الجاهزة التي تضمر في ثناياها تنميطاً مسبقاً للبشر الذين نراهم على الشاشة الصغيرة فنحدس سلفاً بتصرفاتهم ومواقفهم إزاء هذا الحدث الدرامي أو ذاك. مأزق هذا اللّون من الدراما الاجتماعية أنه يقفز في صورة فجّة عن حقيقة أن الأفراد ليسوا «نسخاً كربونية» من أصل اجتماعي واحد يحدّد لهم ملامحهم وآراءهم ومواقفهم. ذلك لا يستقيم مع الحياة الواقعية، وهو بالتأكيد لا يستقيم مع القراءة الدرامية الصائبة، بل يحتاج لإعادة نظر جدّية تحتاجها دراما «العشوائيات»، وكذلك جموع من يعيشون في تلك الأحياء المثقلة بنتائج الفشل المجتمعي العام وليس فشل أفرادها ذاتهم، وإن كانوا يحملونه على أكتافهم. هنا بالذات يجدر بالدراما أن تقرأ بعمق، أو أن تكفّ عن القراءة، ذلك أن السبر الاجتماعي يتجاوز بالتأكيد تلك الرّغبات الإنتاجية في «اكتشاف» بيئات جديدة، بيئات يمكنها أن تكون بكراً، وتغري بمشاهدات درامية تلفزيونية مغايرة للسائد، أي تمنح المشاهد عوالم لم تتكرّر كثيراً، ولا تزال غضّة التناول ومفتوحة على «إدهاش» فقدته البيئات التي باتت تقليدية وقديمة ومكرّرة. نقول ذلك ونحن نشاهد أعمالاً درامية تتناول «العشوائيات» من منظور شكلي لا يرى أبعد من قشور الحال الاجتماعية، وصورها الخارجية.