عنوان هذه المقالة هو عنوان كتاب ألفَّه الإمام جلال الدِّين عبد الرحمن بن أبو بكر السُّيُوطي المصري المتوفى عام 911ه الموافق 1505، وكان أشهر من نار على علم بين علماء عصره، وألَّف في علوم عدة، كالتفسير والحديث واللغة والأدب والتاريخ والتراجم، وبلغت مؤلفَّاته ما يزيد على 900 مؤلَّف، منها ما هو في عدد كبير من الأجزاء، ومنها ما هو متوسط في جزءين أو ثلاثة، ومنها ما هو في جزء أو رسالة صغيرة، وصنَّف الأستاذ أحمد الشرقاوي إقبال كتاباً سماه «مكتبة الجلال السُّيُوطي» استقصى فيه ذكر أسماء مؤلفاته المطبوعة والمخطوطة، وصنَّف الأستاذان أحمد الخازندار ومحمد بن إبراهيم الشيباني «دليل مخطوطات السيوطي وأماكنها»، وهو على جانب كبير من الأهمية للمهتمين بالتراث العلمي المخطوط لهذا العالم الكبير، واستوفيت الكلام على سيرته في كتابي «زهرات الياسمين» الصادر في الكويت عام 1987. وتحقيق هذا الكتاب، موضوع هذه المقالة، تولاه الدكتور عبدالحكيم الأنيس، وسبق له القيام بتحقيق عدد كبير من آثار الأسلاف، وقام بتأليف مجموعة من المؤلفات المفيدة، وصدر هذا الكتاب حديثاً عن دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي في 136 صفحة من القطع الكبير، ولم يسبق له أن نشر قبل هذه النشرة، واعتمد المحقّق الفاضل في تحقيقه للكتاب على مصورات ثلاث من نسخه الخطية، الأولى مخطوطة مكتبة الخُتّني، وهي محفوظة ضمن قائمة المكتبات الخاصة بمكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة، والثانية مخطوطة مكتبة الحرم النبوي الشريف بالمدينة المنورة، والثالثة مخطوطة مكتبة الأزهر الشريف بمصر، واتخذ النسخة الأولى من النسخ الثلاثة أصلاً في عمله بتحقيق الكتاب، وعارضها على النسختين الأخريين، وقام بضبط نصوص الكتاب، وتخريج نقوله من آيات وأحاديث وأبيات وأخبار، وبالتعريف بالأعلام الوارد ذكرهم فيه، وبالأماكن أيضاً، وعلّق على عدد من مواطن الكتاب تعليقات تبيّن سعة خبرته وطول ممارسته للعمل بتحقيق نصوص التراث العربي الإسلامي. وخصص الإمام السيوطي كتابه هذا للكلام على سُرَّاق العلم وآثار العلماء من بعض أدعياء العلم والأدب الذين عرفتهم مراحل كثيرة من تاريخ الأمة الإسلامية، وبدأ كلامه بالحديث عن سُرَّاق الأحاديث النبوية الشريفة الذين سقطت عدالتهم عند أهل الحديث، وذكروا في الكتب التي صنّفها أصحابها لتراجم الضعفاء والمتروكين ممن اشتغل بالحديث النبوي الشريف من الرواة، ككتاب «المجروحين» لابن حبّان، وكتاب «الضعفاء الكبير» للعقيلي، وكتاب «الكامل في الضعفاء» لابن عدي، وكتاب «الضعفاء والمتروكين» لابن الجوزي، وكتاب «ميزان الاعتدال» للإمام الذهبي، ثم انتقل المؤلّف للكلام على سُرَّاق التصانيف، وقال عنهم: «وهم مذمّمون أيضاً، وما زال العلماء ينبّهون عليهم في تصانيفهم ويذكرون أن ذلك من أسباب عدم انتفاع الناس بتلك المصنّفات المسروقة»، وأورد في ذلك أخباراً كثيرة عن بعض عَلية القوم من العلماء، كأبوطاهر السِّلفي، وإسماعيل بن يحيى المزني، ومحمد بن عمران المرزباني، وياقوت الحموي، وعبدالوهاب بن علي السُّبْكي، وصلاح الدين الصّفدي. وتحدث الإمام السيوطي في الكتاب أيضاً عن سُرَّاق الشِّعر، وقال عنهم: «وأكثرهم يسرق المعاني التي سُبق إليها ويصوغها في نظم له، وقليل منهم من يسرق الشعر بلفظه، وما زال الناس قديماً وحديثاً ينبّهون على ذلك ويصنفون فيه». وعقد أهل البيان في كتبهم باباً للسرقات الشعرية، وأورد الإمام السيوطي أيضاً قول الإمام صلاح الدين الصفدي: «لم أر مثل كتاب «الذخيرة» لابن بسَّام في بيان السرقات (الشعرية)، فإنه إذا ترجم شاعراً أورد شعره وبيَّن سرقاته، وممن سرقها»، وذكر أن أبوالفضل أحمد بن طيفور المرورذيّ ألّف كتاباً في سرقات الشعراء على العموم، وضرب أمثلة كثيرة على ذلك، وأورد عدداً من القصائد لبعض من سَرَق السُرَّاق من شعره، وتظلُّم بعضهم الآخر واستيائه من أفاعيل السُرَّاق الذين انتحلوا لأنفسهم بعض ما نظم. وخلاصة القول إن في هذا الكتاب من الفوائد الأدبية ما ينتفع به المتخصصون في شؤون البحث العلمي، وإن فيه من الطرافة والأمثلة أيضاً ما يُسرّ به عامة القراء المهتمين بشؤون الأدب العربي القديم وشجونه، وأحسن محققه الفاضل بتحقيقه وإخراجه إلى عالم المطبوعات العربية للمرة الأولى، وقدّم له بمقدمة مطوّلة مفيدة أورد فيها كثيراً من الأمور المتعلقة بموضوع الكتاب مما لم يذكره مؤلِّفه، وحسناً صنع حين أثبت على غلاف الكتاب عبارة «أثر نفيس في حماية الملكية الفكرية»، لكي لا تنصرف أذهان القراء إلى أن الإمام السيوطي عقد كتابه هذا للكلام على قطع يد سارق المال والمتاع، فإن الإمام السيوطي أراد من مؤلّفه هذا البيان بأن من يقوم بسرقة جهود الآخرين العلمية والأدبية هو كمن يسرق أموال الناس ومتاعهم، وأنه يصح قطع يده كقطع يد سارق المال والمتاع. إن من حق دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي أن تفخر بتقديم هذا الكتاب القيّم لقراء العربية المهتمين بشؤون التراث العربي الإسلامي في أيامنا نظراً إلى قيمته العلمية والأدبية الكبرى.