حين تستضيف العاصمة السعودية الرياض القمة العربية - اللاتينية في نسختها الرابعة، تكون 10 أعوام مرت على انعقاد القمة الأولى، التي احتضنتها العاصمة البرازيلية (برازيليا) 2005. وعقدت قمتين تاليتين في الدوحة 2009، والعاصمة (البيروفية) ليما 2012، ضمت 34 دولة عربية وأميركية لاتينية. وأثارت القمة في بداية انطلاقها جدلاً كبيراً، إذ أثار البيان الختامي للقمة الأولى، التي عقدت في برازيليا، حفيظة الولاياتالمتحدة الأميركية حينها. وولدت القمة بفكرة برازيلية خالصة، إثر مقترح قدمه الرئيس البرازيلي السابق لويس لولا داسيلفا عام 2003، وبعد عامين احتضنت عاصمة بلاد السامبا أولى جلساتها، التي حظيت بمشاركة الدول ال34، وإن كان مستوى التمثيل الدبلوماسي لها متفاوتاً بين رؤساء الحكومة ووزراء خارجية. وعلى رغم تأخر عقد القمة الثالثة في بيرو، نتيجة اندلاع ثورات الربيع العربي، إلا أن أصداءها أكّدت رضا المسؤولين العرب والأميركيين الجنوبيين عما تم إنجازه خلال القمتين السابقتين. وتعد العلاقة بين الدول العربية واللاتينية متينة جداً، وبدأت جذورها منذ نهايات القرن الماضي، إثر انتقال عدد من الأدباء والمفكرين العرب إلى بلدان الأميركيتين، وما عرف حينها ب«شعراء المهجر». إلا أن تنظيم العلاقة بين هذه الدول، في إطار سياسي بدأ بالقمة العربية اللاتينية أخيراً، لتشهد تحولاً كبيراً على مستوى التنسيق السياسي والتبادل التجاري بين هذه الدول. وشهدت القمم الثلاث السابقة تركيزاً على الجوانب الاقتصادية وزيادة حجم التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، ليسجل زيادة نوعية وصلت إلى نحو 500 في المئة على مدى عقد من الزمن، ففي حين لم تتجاوز 5 بلايين دولار قبل انعقاد القمة الأولى في برازيليا، إلا أنها - وبحسب البيان الختامي للقمة الثالثة في الدوحة 2012 - سجلت نحو 30 بليون دولار. وتحتل القضية الفلسطينية صدارة القضايا السياسية التي سجلت حضورها في القمم الثلاث، نظير المواقف الإيجابية من دول أميركا اللاتينية في التعاطي مع أحداثها، وجاء تأثير الحضور الأول لقضية فلسطين في قمة برازيليا كبيراً من خلال المواقف الدولية، خصوصاً من إسرائيل والولاياتالمتحدة الأميركية، إثر تنديد الأولى، وتحفظ الثانية من الانفتاح في العلاقات الثنائية بين الدول العربية واللاتينية. وحلّت أحداث الربيع العربي ضيفاً على قمة «ليما» في بيرو 2012، التي تأخر موعد انعقادها عاماً كاملاً، إثر اندلاع الأحداث في دول عربية، وطغت الأزمة السورية على حديث الأمين العام لجامعة الدول العربية في البيان الختامي للقمة، مع الأخذ في الاعتبار الموقف الثابت للدول الأعضاء من القضية الفلسطينية. وخلال القمم الثلاث السابقة كان هناك خطوط التقاء بين الدول العربية ودول أميركا اللاتينية في عدد من القضايا، إذ إن حقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية، إضافة إلى مطالب تحقيق السلام في المنطقة، ومكافحة الإرهاب، سجلت حضوراً كبيراً واتفاقاً بين جميع الدول. كما حصلت زيادة في التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، مع الإسراع في استكمال توقيع اتفاقات التجارة الحرة بين دول المجموعتين. ولم تغفل الدول الأعضاء أهمية فتح آفاق جديدة في مجالات بعيدة عن السياسة والاقتصاد، إذ إن تفعيل العلاقة بين الدول كانت حاضرة من خلال عقد اجتماعات ثنائية بشكل دوري، وسجل إعلان الدوحة 2009، أهمية التركيز على حوار الحضارات والجوانب الاجتماعية والثقافية والتعليمية. وحظيت عدد من المبادرات التي أطلقت خلال القمم الثلاث الأولى بتأييد كبير خصوصاً في ما يتعلق بتعزيز الجوانب الثقافية والمعرفية بين دول المجموعتين، منها مبادرة تأسيس المكتبة العربية الأميركية الجنوبية في الجزائر، وإنشاء معهد للبحوث حول أميركا الجنوبية في المملكة المغربية، إضافة إلى مبادرة المملكة بإنشاء بوابة إلكترونية للثقافة العربية الأميركية الجنوبية. مواقف دول أميركا الجنوبية من القضايا العربية «إيجابية» عقود من الزمن سجلت خلالها عدد من دول أميركا اللاتينية مواقف إيجابية من القضايا العربية والإسلامية. ولم تغب قضية العرب والمسلمين الأولى «فلسطين» عن هذه الدول، إذ كانت حاضرة ومؤيدة لها، ويأتي اعتراف غالبية الدول الأميركية اللاتينية بدولة فلسطين وعاصمتها القدس، في الوقت الذي تقيم 10 دول علاقات دبلوماسية معها.وبدأت المواقف الإيجابية لدول أميركا اللاتينية خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ثم تأييدها نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي. كما تقدمت عدد من الدول إلى مجلس الأمن بمشروع قرار يدعو للانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية كافة، لإنهاء حرب 1967 أثناء العدوان الإسرائيلي على مصر والأردن وسورية. وعام 2004 فتحت الحكومة البرازيلية ممثلية دبلوماسية لها في مدينة رام الله في الضفة الغربية، واستحدثت منصب «سفير متجول للشرق الأوسط». وتمثل الحضور الأقوى للدول الأميركية اللاتينية العام الماضي، حين قررت الحكومة البرازيلية سحب سفيرها في تل أبيب، للتشاور بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وقالت في حينه: «إن ما يحدث استخدام غير متكافئ للقوة». فيما سجلت رئيسة الأرجنتين كريستينا فيرنانديز موقفها المؤيد لعدد من القضايا العربية في كلمة لها في الأممالمتحدة 2014، وتضمنت هجومها على الأعضاء «بسبب تجاهلهم العدوان الإسرائيلي على مدينة غزة، في مقابل مخاوفهم من الصواريخ التي تطلق من غزة، على رغم أنها لم تسبب أية خسائر بشرية أو مادية».