يظلُّ الجميلُ جميلاً ولو تكررت رؤيته، هذا ما أكدته عروض حفلات فرقة أكاديمية «إيغور موسييف» الروسية للرقص الشعبي «إيغور موسييف باليه»، خصوصاً لجهة جماليات الرقص الكلاسيكي، إذْ وجد الجمهور الذي امتلأ به مسرح قصر الثقافة في عمّان، وقارب الخمسة آلاف مشاهد، أن مفردات العروض التي قدمت فيه بين الثاني والعشرين والسادس والعشرين من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، هي جُلها التي قدمت على المسرح ذاته قبل ثلاث سنوات. اللوحة الافتتاحية للعرض الذي رعته الأميرة ريم علي أظهر ذلك التكرار، كما ظهر في لوحاته التي صممها إيغور موسييف. فحركات اللوحة الراقصة التشكيلية التي قدمت سابقاً، هي نفسها ظهرت في اللوحة الافتتاحية التي أنشأها أداء 64 راقصاً وراقصة، وزينها اللون الأحمر في فساتين الراقصات والأسود في سراويل الراقصين، والأبيض في قمصان كل الراقصين. وشد الجمهور ذلك الأداء الذي قدم حكاية عاشقين ممتلئين بعنفوان الشباب وروح الاحتفال التي توِّجت بزواجهما بعدما أسر قلبيهما دفء عاطفي جمالي، وذلك على أنغام السياق السمعي لمقطوعات موسيقى جالبرين وزميخوف. واستفاد تصميم الرقص الانفرادي لآنا شوكينا واليكسندر تيخينوف، اللذين جسدا شخصيتي العاشقين، من فن الباليه والرقص الشعبي في آن واحد. كما جاءت الفقرات اللاحقة بالسوية الحرفية والجمالية نفسها، سواء اللوحات المتبقية من الجزء الأول البالغ عددها 6 لوحات، وجسّدت رقص شعوب آسيا الوسطى، فضلاً عن العرض المميز لرقصة المحاربين، التي تعتبر علامة مميزة لتصميم الرقص لدى «موسييف»، أم للفقرات السبع من الجزء الثاني الذي اشتمل على رقصات شرقية ويونانية وغجرية. وذلك إضافة إلى رقصات تُقدّمُ للمرة الأولى لهذا الجمهور ابتداءً من اللوحة السابعة في الجزء الأول التي جاءت شرقية عربية في أدائها، من خلال نمط الرقص المصري وقدمتها راقصات بملابس مخططة شفافة باللونين الأخضر والبرتقالي بأداءٍ زاخرٍ بالفعل الأنثوي الذي تسوقه موسيقى حالمة. وقدمت اللوحة الأولى من القسم الثاني عرضاً رياضياً لمباراة كرة القدم يميل إلى الفكاهة أظهر حركات ساخرة بين اللاعبين من جهة وبين اللاعبين والحكام من جهة أخرى. أما اللوحة السابعة في القسم نفسه، فشكلت فضاءً ملحمياً جسد طبيعة المعارك التي تستخدم فيها الأسلحة القديمة كالرماح والسهام والأقواس والخيول، وأنماط حياة شعوب آسيا الوسطى في المعارك والدفاع عن الأرض والعرض، وحملت تقنيات إبداعية حفلت بثراء فني. وعن مسألة تكرار العرض من جانب فرقة إيغور موسييف، قالت رانيا قمحاوي مديرة الرقص في المركز الوطني للثقافة والفنون الذي استضاف حفلات موسييف مع مجموعة المناصير للمرة الثانية وبدعم من شركة «زين»، ل»الحياة»: «أعتبر أن الفقرات المكررة تمثل 50 في المئة من العرض وهي جميلة ولا بأس من إعادتها لأسباب كثيرة، أهمها تقنية الباليه ذات الحرفية العالمية، والقدرة العالية على التنسيق بين المجاميع الكبيرة على المسرح الذين بلغ عددهم 70 راقصاً وراقصة، قدموا من تراث البشرية عروضاً مبتكرة وأبدعوا فيها مع الحفاظ على جذر موروثها». وعن سر النجاح في مواصلة الفرقة تقديم عروضها منذ العام 1937، قالت مديرة الفرقة إيلينا شيرباكوفا ل»الحياة»: «السبب يعود إلى إنشاء مدرسة للرقص الفولكلوري عام 1943، ويعد الراقصون الحاليون من الجيل السابع الذي تخرج في هذه المدرسة»، مضيفة: «نجحنا في الحفاظ على كل التقاليد وأساليب المدرسة وبرنامج العروض والبروفات ضمن منهج ايغور موسييف كما لو أنه ما زال على قيد الحياة، فعروضنا دائماً تتحدث عن لغة الجمال والسلام». وهذا الاستعراض يقدم في جولات مقبلة للفرقة «في الكويت للمرة الأولى يعلن موعدها لاحقاً، وفي كانون الأول (ديسمبر) المقبل سيقدم العرض في لاتفيا وسانت بترسبرغ وموسكو». أسس فرقة «إيغور موسييف الوطنية للرقص الشعبي» «إيغور موسييف باليه» عام 1943، راقص الباليه الروسي المحترف الراحل إيغور الكسندر موسييف الذي توفي عام 2007، ويعتبر من أهم مصممي الرقص العالميين في القرن الحادي والعشرين، ويعدّ من أوائل الذين مزجوا فن الباليه بالرقص الشعبي كنمط مسرحي متكامل يطرح الثقافات المختلفة لشعوب العالم.