«نحن كفرقة غجر حقيقية» يقول رافاييل أمارغو، راقص الفلامنغو الإسباني الشهير والشاب الممتلئ حماسة والفخور بوسامته ورقصه وحيويته الاستثنائية. ويقول أمارغو في حديث مع «الحياة» على هامش الحفلتين اللتين قدمهما في أبو ظبي ضمن مهرجان موسيقى أبو ظبي الكلاسيكية أن «الفلامنغو ليس فقط فناً يُمتهن بل حياة كاملة، لا يمكنه إلا أن يشبه الروح الأصلية للفلامنغو ولحياة الغجر التي خرجت منها». فماريا لاكونيخا، «شيخة» الفرقة بفستانها الغجري وباقة الورد على رأسها، وصناجاتها، هي والدة المغنية الرئيسة في الفرقة، صاحبة الصوت الجهوري القوي، الذي يطلق صرخات الفلامنغو الشهيرة، بصوت، وإن كنا نجهل لغته، لكن يصلنا منه وجعه وفرحه، كما أن لاعب الإيقاع هو ابن المغنية. ثلاثة أجيال في فرقة واحدة، وهذا ما ينطبق على عائلة أمارغو، فرافاييل هو ابن عازف وراقص فلامنغو شهير يلعب اليوم دور المنتج لعروض ابنه، ووالدته هي مصممة الملابس و «أم أولاده» الاسبانية واحدة من الراقصات الرئيسات، وهذا ما قصده الراقص الاسباني في أن الرقص يتخطى الحركة والنغمات ليصبح حياة لها عاداتها وتقاليدها. انتهت الحفلة كما تخيّلها رافاييل، حفلة «من القلب إلى القلب»، كما هو عنوانها «أنتيمو»، وهي ليست جديدة، لقد وضعها وجال بها منذ العام 2007، ولكنه أطلق في أبو ظبي العنان لنفسه، كما يقول. نزلت الفرقة عن الخشبة وجالت بين الحضور، بعازفيها وراقصيها، كما لو كانت ليلة غجر حقيقية. اختار من بين كل أعماله التي نحت صوب المعاصرة عموماً في سني عمله الأخيرة، «أنتيمو» ليقدمه في أبو ظبي، لأنه «فلامنغو» صرف، رقصاً وموسيقى، إذ حذف منه بعض الفقرات من حوارات بالإسبانية لمعرفته لحب العرب لهذه الرقصة على حد قوله. يعشق أمارغو الثقافة العربية، ويعتقد أن للفلامنغو جذوراً عربية، وأن الإسبان تأثروا بالثقافة العربية الإسلامية. ولدى سؤاله إن كان يقول ذلك، لأنه هنا في مدينة عربية، ردّ مستهجناً: « لا، أنا أعشق الثقافة العربية، وأصلاً منزل أهلي في المغرب، عشت مرحلة من طفولتي هناك»، ولكنه لا يعرف من العربية إلاّ بعض الكلمات، بل يعرف من اليابانية أكثر منها بكثير، وقد تحدث بها إلى أحد الصحافيين في المؤتمر الصحافي الذي سبق الحفلتين، ل «يقمع» بها أسئلته المطوّلة المتثاقفة. عاش أمارغو وعمل لسنتين ونصف في اليابان، وتزوج من يابانية (زواجه الأول)، وعلى رغم تباعد الثقافتين، «لديهم أكثر من مئة مدرسة لتعليم الفلامنغو، وست مجلات متخصصة بها»، يقول مضيفاً: «هم شعب عملي جداً، وتذهلني قدرتهم على العمل والتنظيم، ولكنهم عندما يحضرون الفلامنغو يبكون... لم أر يوماً مشاهدين يبكون لدى حضور الفلامنغو غير اليابانيين». عشرة موسيقيين ومغنين وست راقصات، أشعلوا خشبة مسرح قصر الإمارات في أبو ظبي، بمدخل معاصر بعض الشيء، لباس كامل أسود بقبعات تغطي الوجوه، على خلفية سوداء، لعازفين في قعر المسرح، إنها محاولة إحياء الجذر القاسي للفلامنغو الحزين. ولكن سرعان ما تتحول اللوحة، وتتبدل ملابس الراقصين إلى الأحمر، وتصدح النداءات لرقص أعلى، وأسرع. يطل أمارغو بين الفقرات، برقصه وإيقاعه السريع المذهل، لاعباً لعبة الإغراء بقميصه الذي يفتح على جسد ممسوك. وإن كان يجدد في عروض أخرى معاصرة، أدخل إليها «الملتيميديا»، كالشاشات العملاقة والسينما، فهو في هذا العرض لم يدخل إلاّ الفلامنغو، ولكن لا يمكن إلاّ أن نلمح بعض «الباليه» التي درسها في نيويورك، وقليلاً من الجاز، على رغم أنه لم يستعمل سوى الآلات المعروفة للفلامنغو. يصف نفسه بالفنان القلق، الذي يسعى لترك بصمته الخاصة في هذا الفن، فهو كما يقول: «أول من أدخل الملتيميديا إلى الفلامنغو»، وهو مشغول جداً بتقديم هذا الفن بصورة عصرية دائماً.