«لن أترك بيتي حتى أموت أو نحصل على حريتنا»، عبارة لطالما رددها الطبيب وناشط السلام الفلسطيني هاشم العزة في حديثه للإعلام المحلي والدولي والمتضامنين الأجانب عن تفاصيل معاناته اليومية من مضايقات مستوطني حي «رمات يشاي» القريب من منزله وانتهاكات الإحتلال لشعبه، قبل أن تقتله قنابل الغاز الإسرائيلية خنقاً في 21 من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري. بينما كان العزة (56 عاماً) في منزله بحي تل الرميدة وسط مدينة الخليل البعيد بضعة أمتار عن الحي الاستيطاني، أمطرت قوات الاحتلال شباناً فلسطينيين عند حاجز شارع الشهداء بوابل من القنابل المسيلة للدموع، ما سبب للعزة اختناقاً تفاقم مع منع قوات الاحتلال سيارات الإسعاف من الوصول إليه، لا سيما وأنه خضع لعملية قسطرة سابقاً، ففارق الحياة مع دخوله مستشفى «عالية» الحكومي في المدينة. هذه حكاية رحيله التي رواها شقيقه عبد الرحمن متحسراً على خسارة العزة الذي بحسب وصفه «أحد رموز مقاومة الإستيطان، والمعروف بطيبته وحضوره الدائم وسط الأصدقاء والجيران». وقال منسق لجنة «شباب ضد الاستيطان» عيسى عمرو «استطاع هاشم أن يعكس للناشطين الأجانب حجم المعاناة التي تعيشها مدينته بشكل خاص». ويقع بيت العزة ضمن منطقة (H2) الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية بناء على اتفاق إعادة الانتشار الجزئي للجيش في الخليل عام 1997، وعلى بعد 5 أمتار فقط يمكث باروخ مارتزل أكثر المستوطنين تطرفاً. هذه الأمور مجتمعة جعلت العزة مستهدفاً من قبل الاحتلال وأكثر عرضة للمضايقات. وركز العزة أخيراً على محاربة الاستيطان مستفيداّ من لغته الإنكليزية الجيدة للتواصل مع الناشطين الأجانب. ولم يكن هذا وليد اللحظة بل يعود إلى تراكم ممارسات الاحتلال بداية من العام 1948 حينما هُجِّرَ من قرية عجور شمال غربي الخليل، ليعيش فيها سنوات طويلة عمل خلالها طبيباً مع «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (أونروا) قبل أن يخضعه الاحتلال للإقامة الجبرية. وأسس العزة ضمن مقاومته السلمية مجموعة دعم نفسي لتشجيع مواطني الخليل على تجاوز عوائق الاحتلال في حياتهم اليومية ومحاولات المستوطنين سلبهم منازلهم وممتلكاتهم. وأنشأ مع زوجته نسرين مؤسسة اجتماعية لمساعدة النساء على تعلم المهارات وكسب المال لإعالة أنفسهن وأسرهن، ووصفته بعض المواقع الإعلامية ب «الكابوس المؤرق للإسرائيليين». وأحدث مقتل العزة صدى كبيراً بين مواطنين فلسطينيين وإعلاميين وناشطين محليين وأجانب، وحكت الناطقة باسم «المركز الدولي لإعلام الشرق الأوسط» أحد وجوه صموده «عندما عاش ثلاث سنوات من دون ماء في بيته، بعدما أوقفت السلطات الإسرائيلية ضخه في أنابيب الحي الذي يقطن فيه. وليس هذا فحسب فلطالما عرضت عليه الأخيرة ملايين الدولارات لقاء خروجه من منزله، لكنه أبى ورابط». وأسس أصدقاؤه صفحة «في ذكرى هاشم» على موقع التواصل الاجتماعي «فايسبوك»، وحساباً على موقع «غو فاند مي» الإلكتروني لجمع التبرعات لعائلته المكونة من أربعة أبناء أكبرهم لم يتجاوز عقده الثاني وأصغرهم ابنة في ربيعها الرابع، واستطاع الموقع جمع نحو 16.5 ألف جنيه إسترليني خلال 5 أيام فقط من إطلاقها». وقال أحد أعضاء «حركة التضامن الدولية» في الخليل: «لا ننسى كلماته حينما قال سنظل نقاوم حتى ننال حريتنا»، واعتبرت الناشطة رافينا اشتياق أن «من الصعب تصور رحيل رجل كان يعرف ماذا يريد وعن ماذا يدافع. سمموا أشجار الزيتون الخاصة به وقطعوا عنه الماء وأحرقوا منزله مراراً، ومع ذلك لم يتوقف عن المقاومة بطريقته، قلبي حزين على عائلته». أما صديقته ياسمي، فقالت: «تشرفت بمعرفة هاشم الذي جند حياته لإظهار مدى تشبث شعبه بالحياة، إنه حقاً خسارة لفلسطين، لكنه فاز الآن وأصبح حراً»، وعبّر أليكس شمس على «فايسبوك» عن مدى حزنه لدى تلقيه نبأ مقتل العزة، قائلاً: «صديق آخر يسقط في مواجهة الاحتلال ويترك الزوجة والأولاد من دون أب». واعتبر يصف يانيف رون أن ما حصل «أمر المريع، كنت في منزله ضمن فريق (كسر الصمت) قبل نحو عقد من الزمان، أتذكر تواضعه وشجاعته وكرمه ورباطة جأشه في مواجهة إرهاب المستوطنين والجيش اليومي»، ووصفت ليلى غازنيف مقتله ب«المدمر». وعبّر المصور الصحافي المتخصص في تغطية قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والاعتقالات مارك كيريسون على موقع «تويتر» عن أسفه «لمقتل العزة الذي جسد الصمود في وجه الاحتلال»، وكتب غيريمي سبافورد في تغريدة أن «هاشم كان من قلة تعيش بشجاعة على خط الجبهة التي تواجه التحيز والظلم، ونحن مدينون له كثيراً». وسأل مارتن ميلر: «لماذا لا يزال الغرب يدعم إسرائيل بأسلحة تذبح بها النساء والأطفال وحوكاتنا غائبة عن هذه الجرائم؟». لكن في مقابل هذه الردود الغاضبة على مقتل العزة، ادعت مواقع إلكترونية إسرائيلية مثل «مدونة إسرائيلي كول» أن الغاز لا يسبب إلا دموعاً في العين وضيقاً في النفس، لكنه لا يقتل. واعتبرت أن إصابة هاشم بأزمات قلبية سابقة هي السبب. وتفاعل بعض الإسرائيليين مع هذه الدعوى، فعزت إلنيشا الوفاة إلى «سوء الخدمات الصحية في المشافي الفلسطينية»، فيما علق شارون أن «إدمان العزة على التدخين لسنوات طويلة أدى إلى إصابته بالأزمة القلبية». وبين دعاوي الاحتلال ودفاع الغاضبين تبقى حقيقة أن العزة دافع بكل ما فيه عن قضيته في سبيل «نيل الحرية». وقد نالها حين قتل في سبيلها.