تستغل الطالبة الجامعية سندس العزة قدوم أي وفد فلسطيني أو عربي أو أجنبي إلى مدينة الخليل، وبالتحديد الى حي تل الرميدة، لتحدثهم عن واقع الحي الذي بات مرتعاً للمستوطنين، و «جهنم» لمن لا يزال يصر على عدم مغادرته من الفلسطينيين، خصوصاً أنهم يتعرضون لما قد لا يخطر على بال الكثيرين. فعندما تتحدث سندس عن يومياتها وسكان الحي، يصاب المستمع بالصدمة، خصوصاً الفلسطيني الذي لا يعرف عن فلسطيني آخر يعيش معه على الأرض نفسها، وتحت الاحتلال ذاته. وتقطن سندس وأسرتها في منطقة مجاورة لمستوطنة «رمات يشاي»، أو ما تعرف بمستوطنة «تل الرميدة»، التي أقيمت ولا تزال تتوسع على حساب أراضي الفلسطينيين، بفعل القرارات التعسفية لباروخ مارزيل ورفاقه من سكان المستوطنة، والذي يصفه الفلسطينيون في مدينة الخليل بأنه الحاكم الفعلي للمدينة بحراسة قوات الاحتلال، وبأنه المستوطن الأعنف في الضفة الغربية كلها. ويقوم مارزيل وعصابته بقذف الحجارة بشكل مستمر على منازل العرب وبينها منزل أسرة سندس، والاعتداء على من يصادفونه بالضرب الذي يكون في معظم الأوقات مبرحاً. بل وصل الأمر بهم إلى قذفهم بزجاجات أفرغ فيها المستوطنون بولهم، إضافة إلى إمطارهم بأكياس القاذورات ومخلفات الطعام. وتدرك العزة، وهي ناشطة في مجموعة «شباب ضد الاستيطان»، أن كل ما يفعله المستوطنون بحراسة جيش الاحتلال أحياناً، يهدف إلى إيصالهم في «تل الرميدة»، وحارة العزة بالتحديد، إلى مرحلة الإحباط، ثم الرحيل، فيحقق المستوطنون مبتغاهم بتفريغ البلدة وإبعاد الناس عن منازلهم التي تقف شوكة في حلق مخططات التوسع الاستيطانية. أربع عائلات، من بينها عائلة سندس، والبقية أعمامها، يقاومون كل هذه «العربدات» على ما يصفونها، والتي يتفنن المستوطنون بابتكار المزيد منها، مكتفين بالرد على محاولات إخراجهم من منازلهم وأراضيهم بكلمة «مستحيل». واللافت، أن سلطات الاحتلال التي تتواطأ مع المستوطنين لتنفيذ مخطط ترحيل آل العزة، وفق سندس، أحكمت الحصار على العائلات، ونصبت حواجز عسكرية حول منازلهم، بحيث لا يمكن أحداً دخول المنطقة إلا بتصاريح خاصة من الاحتلال منحت فقط لساكني المنازل. ومع تكرار فشل محاولات الأقارب والأصدقاء زيارتهم، شحت تلك الزيارات حتى كادت تتلاشى. هذا المشهد الذي يبدو وكأنه من إبداع روائي أو فيلم فيه شيء من الخيال، هو ما تعايشه سندس ابنة الثامنة عشرة، منذ كانت في الخامسة، إذ لا أحد يزورهم إلا نادراً، فيما مسلسل الاعتداءات يتواصل، ولذلك هي تعمل، وكما قالت ل «الحياة»، بشتى الطرق، لتوعية الفلسطينيين والعرب والأجانب من زوار الخليل وحي تل الرميدة بمعاناة الحي الذي أغلق فيه أكثر من مئة متجر أبوابه. وتروي سندس حكايات لا تنساها عن اعتداءات المستوطنين التي تسعى ورفاقها في «شباب ضد الاستيطان»، إلى توثيقها بالفيديو والصورة. وتقول: «في رمضان الماضي اعتدى المستوطنون على شقيقي يوسف بذريعة ضربه أحد المستوطنين، وهو ما لم يفعله، لكن لكونه أحد أبناء باروخ مارزيل تفاقمت الأمور». وتضيف: «ما يحدث في الخليل، وفي تل الرميدة على وجه الخصوص، أمر في غاية السوء والظلم. إذا ادعى مستوطن على فلسطيني بالاعتداء عليه يسجن الفلسطيني لحين يثبت بالدليل القاطع، وفي الغالب بتصوير فيديو موثق، أنه لم يفعل ذلك، لذا نتسلح بالكاميرا في مواجهة أسلحتهم النارية وقاذوراتهم». وتتابع: «أما إن ادعى فلسطيني على مستوطن اعتدى عليه، فإن الأخير يبقى حراً طليقاً حتى يثبت الفلسطيني بالفيديو هذا الاعتداء. ولو تم ذلك فالعقاب غالباً ما يكون شكلياً». وفي الفترة الأخيرة، وربما بسبب استشاطته غضباً من نشاطها اللافت، اعتدى باروخ مارزيل شخصياً على سندس العزة بأن قذفها بحجر كبير أصابها في يدها، وسبب لها جروحاً وآلاماً استمرت لفترة. وعلى رغم توثيق الاعتداء، وتدعيمه بتقرير طبي معتمد لدى سلطات الاحتلال، وتقديم شكوى للشرطة الإسرائيلية، لم يتخذ أي قرار بحقه. «جيش الاحتلال وشرطتها يخافون من باروخ وعصابته» تقول سندس. الزائر لحي تل الرميدة في الخليل يُصدم من كونه يتحول مع الوقت إلى ما يمكن وصفه بمدينة أشباح. فالجداريات على عكس غالبية مدن وبلدات وأحياء فلسطين تروج للاحتلال والمستوطنين وثقافتهم، بل إن «توضيحاً بالعبرية والإنكليزية مثبت على أحد جدران الطريق المؤدية إلى الحي، يقلب الحقائق ويتحدث عن إرهاب الفلسطينيين الممنهج ضد المستوطنين الإسرائيليين الأبرياء». ولكن في مدينة الأشباح هذه، لا تزال سندس العزة، تطارد المستوطنين بمحاولات غير يائسة لفضح اعتداءاتهم. ويساعدها في ذلك رفاقها في «شباب ضد الاستيطان» لعلهم ينجحون في ما يعجز عنه الساسة، ويغيرون شيئاً من واقع متسارع في تل الرميدة بدأ يطفو على السطح، بأن بات الحي يخلو تدريجياً من أصحاب الأرض الفلسطينيين، ويتهوّد بسبب مساعي باروخ مارزيل ورفاقه، ودعم سلطات الاحتلال الإسرائيلي.