بدأ اسم مجموعة «شباب ضد الاستيطان» يظهر، في الأيام الأخيرة، إثر دعوة أفرادها إلى أكثر من مسيرة مناهضة للاستيطان في مدينة الخليل والبلدات المحيطة، التي تعاني الأمرّين بسبب التوسع الاستيطاني، وبناء المزيد من المستوطنات الإسرائيلية على أراضي الفلسطينيين فيها، وما يترتب عليه من إجراءات تمنع الفلسطيني من مجرد الاقتراب للنظر بحسرة إلى أرضه المصادرة لمصلحة المستوطنة اليهودية المجاورة، في الكثير من الأحيان. ولعل قمع قوات الاحتلال لهذه المسيرات بشراسة سرع في انتشار اسم «شباب ضد الاستيطان» في نشرات الأخبار ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة على الصعيد المحلي والدولي، وتغطية التحرك من وجهة نظر سياسية من دون تسليط الضوء على هذا التجمع الذي انطلق بمبادرة شبابية بحتة. ولعل الحكاية الأبرز ل«شباب ضد الاستيطان»، كانت مطلع الشهر الجاري، حين قررت المجموعة برفقة سكان منطقة «البويرة» في الخليل، وناشطين أجانب وإسرائيليين، بناء كوخ خشبي في مواجهة بؤرة استيطانية غير قانونية يقيمها المستوطنون في أرض تعود لورثة المواطن عيسى جابر. والحكاية كما يرويها المهندس طارق أبو حمدية، الناطق باسم التجمع الشبابي أن «شباب ضد الاستيطان»، ومن معهم من المتضامنين الأجانب والإسرائيليين فاجأوا المستوطنين الذين كانوا يستضيفون العشرات من المتضامنين الاجانب أيضاً بوصولهم إلى الموقع حاملين معهم الألواح الخشبية وشروعهم ببناء الكوخ. ويقول: «حاول المستوطنون وأنصارهم منعنا من بناء الغرفة باعتراض طريقنا وسرقة مواد البناء، لكننا قاومنا هذه المحاولات وتمكنّا من بناء الغرفة الخشبية». وأضاف: «إلا أنه وبعد وقت قصير وصل إلى المكان عدد كبير من أفراد جيش الاحتلال والشرطة وحرس الحدود الإسرائيلية. هاجمونا، وأعلنوا المنطقة منطقة عسكرية مغلقة، واستغل المستوطنون ذلك وانهالوا علينا ضرباً تحت أنظار الجنود، وحاولوا حرق الكوخ ثم حاول المتطرف باروخ مارزل الذي شارك بضرب عدد من الفلسطينيين والمتضامنين الإسرائيليين والأجانب، إنزال العلم الفلسطيني عن الكوخ الخشبي بعدما لم يتمكن من حرقه، وفشل في ذلك مرات عدة، قبل تدخل ضابط من جيش الاحتلال، وتمكينه من إنزال العلم الفلسطيني عن الكوخ وإحراقه على مرأى شرطة وجيش الاحتلال». وحول انطلاق تجمع «شباب ضد الاستيطان» وفكرته وأهدافه، يقول أبو حمدية: «المبادرة انطلقت من تجمع شبابي يضم عدداً من النشطاء في مواجهة سرقة الأراضي واعتداءات المستوطنين، والذين كانوا يعملون بجهود فردية ومن دون تنظيم. وفي أعقاب تصاعد اعتداءات المستوطنين وخصوصاً في البلدة القديمة للخليل، بدأت نواة «شباب ضد الاستيطان» من ستة شبان بعضهم من النشطاء القانونيين وممن لهم علاقات مع مؤسسات تضامن دولية ومتضامنين أجانب، وآخرون من الإعلاميين الذين يلعبون دورا مهما في إثارة أي اعتداء على منازل المواطنين أو استيلاء على أراضي محليا ودوليا». وتسعى المبادرة، بحسب أبو حمدية، إلى دراسة أساليب الاستيطان والتمدد الاستيطاني، وتوعية المجتمع المحلي والدولي بأساليب الاستيطان وطرق بيع الأراضي ومصادرتها، واستهداف مراحل الاستيطان، ابتداءً من التخطيط وحتى البناء والإنشاء، وفضح الاستراتيجيات والمخططات الاستيطانية، وتعزيز صمود المواطنين في المناطق المهددة بالمصادرة والتوسع الاستيطاني. إلى جانب ردم الفجوة بين المؤسسات والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ذات العلاقة وبين المواطنين المتضررين من الاستيطان. وعن أساليب تحقيق هذه الأهداف، يوضح أبو حمدية أن المبادرة تنشط في المتابعة المباشرة والاتصال الدائم بالمواطنين في المناطق المهددة والتوعية بمختلف الطرق كإعداد النشرات وبث إعلانات التوعية في وسائل الإعلام، وعقد الندوات والمؤتمرات وورش العمل وعرض الأفلام الوثائقية. إضافة إلى ذلك، يجمع الشبان المنخرطون في المبادرة المعلومات عن اعتداءات المستوطنين والمساحات المصادرة، ويعمدون الى ترتيبها وفهرستها وأرشفتها ومن ثم توزيعها على الجهات المختصة المحلية والدولية. وفي المرحلة التالية، استخدام الطرق القانونية كرفع الشكاوى والاحتجاجات لدى المحاكم الإسرائيلية والدولية. وينفذ الشباب عملاً ميدانياً مباشراً غير مسلح في مقاومة الاستيطان مثل التظاهرات والاعتصامات وتحدي إجراءات الاحتلال المختلفة، وبناء علاقات مع مؤسسات المجتمع المدني وتجنيد كل الفئات لمواجهة الاستيطان. وخلال حملات التوعية التي تنظمها، تحاول المبادرة تعميم أهمية مقاطعة الاستيطان من خلال مقاطعة العمل في المستعمرات أو التعامل الاقتصادي مع المستوطنين أو شراء منتوجات المستوطنات محلياً و دولياً. نجاح واستمرارية وعلى رغم حداثة التجربة، نجح «شباب ضد الاستيطان» في أحد نشاطاتها الأخيرة في مدينة الخليل في إخراج أعداد من المستوطنين الإسرائيليين بعد استيلائهم على منزل فلسطيني في منطقة تل الرميدة، ويتم تجهيز هذا المنزل حالياً ليصبح مقر المبادرة . وعلى رغم اشتراط «عدم الحزبية» في صفوف المنتمين إليها، تحظى المبادرة بدعم مباشر من القوى الوطنية والإسلامية في محافظات جنوب الضفة الغربية. وبحسب منسقها، فلدى المبادرة ممثلون وتواجد مهم في كل القرى والبلدات والمخيمات التي تتعرض لاعتداءات استيطانية، وبخاصة في بلدات بني نعيم والرماضين والظاهرية وبيت أمر التي تشهد مواجهات مستمرة مع المستوطنين، وفيها أعلى نسبة مصادرات للأراضي. وأكد أبو حمدية أن «شباب ضد الاستيطان» تعمل حالياً على تنظيم العديد من الفعاليات الميدانية من أجل حماية الأراضي الفلسطينية من هجمات المستوطنين، ويقول: «تستهدف هذه الفعاليات إبراز خطورة ما يطلق عليه البؤر الاستيطانية غير القانونية علماً أن القانون الدولي يعتبر كل المستوطنات في الأراضي المحتلة غير قانونية»، موضحاً أن الأرض الفلسطينية ملك لكل الفلسطينيين وواجب الدفاع عنها يشمل الجميع، ومحذراً من أن المستوطنين يكثفون حالياً احتلالهم لتلال الجبال المحاذية للمستوطنات لفرض سياسة الأمر الواقع على المفاوض الفلسطيني، مستفيدين من نتائج الانتخابات الإسرائيلية، وفوز اليمين المتطرف.