كانت، بالنسبة الى البعض، معركة عائلية، بين زوجين سابقين. وبالنسبة الى البعض الآخر معركة غوليات وداود، بين فيلم كلف مئات الملايين، وحصد بلايين الدولارات، وفيلم آخر حُقق بموازنة «متقشفة» وسط صمت إعلامي. وبالنسبة الى البعض الثالث كانت معركة بين المؤسسة الهوليوودية والسينما شبه المستقلة. لكنها في النهاية معركة بين فيلمين للفوز ب «اوسكار»، وإن كانت هناك في التنافس أفلام أخرى كثيرة، بل عشرة في فئة أفضل فيلم، كما أتت معركة تعني كرامة هوليوود التي رسخت نفسها خلال السنوات الماضية مدينة طليعية وغير عنصرية ومتمردة على المؤسسة الرسمية، فكان الخوف ان تعود أدراجها هذه السنة الى القيم الاستعراضية التجارية، فتتوج المخرج جيمس كاميرون وفيلمه «آفاتار»... لكن هذا لم يحصل. كان على الفيلم وصاحبه أن يكتفيا بثلاثة أوسكارات تقنية، إضافة الى البلايين التي يحققها في الصالات، فيما تربعت زوجته السابقة المخرجة كاترين بيغلو، على العرش الأوسكاري حاصدة خمس جوائز، بينها افضل فيلم وأفضل إخراج، محققة سابقة تاريخية: إنها اول امرأة تفوز عن فئة أفضل إخراج في تاريخ هوليوود، وهذا الأمر ليس قليلاً، في مجتمع ذكوري مثل المجتمع الهوليوودي، يعطي المرأة كل شيء، شرط ألا تكون مبدعة مفكرة. من هنا كانت بيغلو، صاحبة فيلم «خزانة الألم» الراديكالي المتمرد على التورط الأميركي في حرب العراق، على حق حين اعتبرت اللحظة «محطة لا تتكرر في حياة شخص»... كما كانت على حق حين نظرت وهي تقول هذا، ناحية زوجها السابق جيمس كاميرون الذي كان منافسها الرئيسي، وكانت كل المؤشرات، بما في ذلك خوف النقّاد وغضبهم، تقول انه سيكون الفائز... لكن ما حدث كذّب المؤشرات، وهدأ من روع النقّاد، الذين على رغم إعجابهم ب «آفاتار» لم يكونوا ليستسيغوا «أسكرته» على النحو الذي «أسكر» به «تايتانيك» استعراضه الضخم السابق قبل سنوات. هل في الأمر مفارقة؟ على الإطلاق، خصوصاً إذا تذكرنا ان هوليوود، صارت خلال السنوات الأخيرة، اقل استعراضية وأكثر إنسانية حين تمنح جوائز الأكاديمية. وبالتالي فهي لا تشذ عن القاعدة الجديدة هذه المرة... بل تعززها. فمثلاً حين تمنح ساندرا بولوك - التي يمكن اعتبارها آنتي ستار - جائزة أفضل ممثلة، بعد ساعات من حصول هذه الأخيرة على جائزة «أسوأ ممثلة» في مباراة أخرى، وحين تمنح الرائع كريستوف فالتز (صاحب «افضل ممثل» في «كان» الأخير) أوسكار افضل تمثيل ذكوري، وتعطي ممثلة أميركية - افريقية هي مونيك أوسكار افضل ممثلة ثانوية، للمرة الخامسة في تاريخ هوليوود، ما ذكّر بأول مرة حين منحت هاتي ماكدانييل (الوصيفة في «ذهب مع الريح») أول جائزة لممثل أسود في تاريخ عاصمة السينما الأميركية... حين يفعل أهل الأوسكار هذا، من المؤكد انه سيكون في وسع المرء ان يقول ان الجانب الذكي والمشرّف في هوليوود بخير، فكيف، وجيف بريدجز، بعد اكثر من ثلاثين سنة من ترشيحه للمرة الأولى، يفوز هذه المرة بأوسكار افضل ممثل، وهو الفنان الراديكالي المثقف المحسوب على هوليوود «التقدمية»، وتحديداً عن دوره المميز في فيلم «قلب مجنون» حيث يجسد دور مغني كاونتري سكير؟ هل نقول انطلاقاً من هنا ان هوليوود انتصرت، من جديد، على نفسها؟ وأن النتائج جاءت بعد أسابيع طويلة من السجالات والاحتجاجات، على حجم ما كان النقّاد الأكثر جدية يتصورون؟ حسناً، قد يكون هناك من رأى نقصاً في غياب أسماء مثل: جورج كلوني ومورغن فريمان أو هيلين ميرين أو ميريل ستريب عن الفوز، وآخرون رأوا في هذا الدنو الهوليوودي من «السينما المستقلة» أو ما يشبهها ما يقلق، وغيرهم ممن كانوا يفضلون هذا الفيلم أو ذاك... وهذا كله منطقي ومعتاد... لكن هوليوود متجاوزة هذا كله، ضربت ضربتها، معوّضة في طريقها لامرأتين ما كان يعتبر ظلماً لهما: كاترين بيغلو التي بدت سابقاً ضعيفة تجاه زوجها السابق، مارد الإيرادات والتقنيات، وساندرا بولوك التي نالت اخيراً حقها، بعد ساعات من ظلم آخر أحاق بها... وهذا عادل في يوم المرأة العالمي أليس كذلك؟ بقي ان نذكر ان الفائزين الآخرين من بينهم فيلم أرجنتيني («سر عينيك») لأفضل فيلم أجنبي، و «في الأعلى» (افضل موسيقى)... ناهيك عن الجوائز التقنية التي وزعت، بمزيد من التوازن... هذه المرة أيضاً.