فيما يبدو تلاعباً جمالياً بالألوان، يرسم التشكيلي ياسر خطّار بقصدية فنية مرصودة شخوصه، ليظهروا متخفين في لوحات تتلاشى فيها الملامح، وتتلون فيها الأجساد، إذ تنبئ اشتغالاته بحساسية آلية ضربات فرشاة سريعة في تعبيرية تجريدية محدثة، لتمتزج عوالم لوحاته مع أبطالها أو موتيفاتها، بحيث تغيب الفروق بين ما هو خلفية للوحة وبين ما هو جسد، للدرجة التي تحث على التأمل وتبعث على التدقيق لاكتشاف حدود الأجساد وسمات الوجوه. وفي الغالب تتمثل هذه الشخوص في هيئة نساء شابات، سعيدات أو ضاجات أو منفعلات، توحي حركتهن بحالات مليئة بالحيوية والغنائية والحميمية، وكذلك تُلمح الى بوح واحتجاج، أو تتشكل في وضعيات راقصة بتعبيرات إيمائية، وأيضاً تشير الى تَشَكٍّ حميمي وهروب روحي يختلج ذوات بطلات لوحاته، في تعبيرات درامية تنثال عبر اللوحات ال 35 التي ضمها معرضه المقام حالياً وعنوانه «ليس في القلب متسع للحديقة» وافتتحته الأميرة ليلى بدوي والدة الأميرة لولوة بنت عبدالله بن فهد آل سعود، في تظاهرة فنية بصالة العالمية للفنون الجميلة في جدة، وحضره جمع من الفنانين والفنانات والمهتمين. ومن خلال مواضيعه يطلق خطّار العنان لمخيلة المشاهد بما تحتويه من فضاءاتها قادرة على حياكة سرديات تعبّر عن هموم المرأة وأشجانها، وهو بذلك ينفتح على مدارك ثرية صورها في تقاطعات خطية عريضة، وأخرى رفيعة تتموج في زخز شفيف يتجه نحو التعبيرية غير المتكلفة. وإذ تستنطق أعماله التي ابتكرها ببوح وجدانٍ يتوق إلى تفجير طاقة اللون بتجاوره إلى اللون الآخر ليحقق معادلات جمالية آخذة في التوسع نحو تجريد الكتلة الإجمالية للعمل، مشتغلاً على توزيع الألوان على سطوح اللوحات وفق حساسية يستشعرها المتلقي من دون مشقة. وتأتي محبّة خطّار لثنائية الإنسان - اللون، في سياق معرفته للقيم التي يتمثلها، شكّلاً منفذًا إلى مواضيع شائقة ومتنوعة تتناول الجسد - المرأة بما تعطيه من حرّيته في الظهور كاملةً، أو ظلاً، أو رقشات، وبعض خيال ينساب في خطوط تأتمر بمزاجه وهواه من غير اضطراب أو نشاز. فمعرفته بإيحائية اللون، تبرز رؤيته للفن، وهي رؤية روحيّة إيمائيّة ثابتة، تترابط بعضها ببعض، وتتداخل، مشكّلةً الجوهر الذي يسعى لإيصاله، وهو ما يحافظ عليه خطّار، وينمّيه، منذ معرضه في العام الماضي، ويحاول حمايته في معرضه هذا العام، ليكتمل بحثه اللوني المنبثق في أمكنة غير محددة المعالم. عقب تجولها في المعرض قالت الأميرة ليلى بدوي: «إن كل لوحة من لوحات الفنان ياسر تحكي موضوعاً مختلفاً، وتبدو ألوانه مرحة وجذابة، خصوصاً لوحته التي تبين باقة من الورد، فهي كما أرى أكثر الأعمال تميزاً، لما تتضمنه من ألوان بهيجة». وأوضح خطّار في حديثه إلى «الحياة» أنه يمر بمرحلة تعد في تقديره النهائية نحو منهجية التبسيط التي يسعى إلى تحقيقها في الأعمال المقبلة، بحيث يختزل التكثيف اللوني لتأتي صياغته نضرة تستثمر المرونة في ثقة وجرأة، وليتم الاختصار من الشكل لا من المعنى، من الخارج لا من الداخل، من اللاوعي لا من الوعي. من جهته، قال الفنان المخضرم عبدالله نواوي: «إن أعمال ياسر خطّار دائماً مفرحة توحي بالسعادة والانشراح، وهو يمتلك رؤية فنية تظهر في أعماله المميزة، وإن كانت المرأة عنصرها وبطلها الأساسي، لكن اشتغاله على طاقة الألوان يعتبر العنصر الأكثر تأثيراً في أعماله».