أشعلت فتوى الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك، التي توصل فيها إلى أن «من استحل الاختلاط وما يتضمنه، فقد كفر وارتد، ووجب قتله إن لم يتب» جدلاً في منتديات الانترنت والمواقع الإخبارية وصفحات الفيس بوك، بين مندهش ومدين ومحوقل وكذلك مبرر، إلا أن الغريب في الفتوى نفيها للاختلاف الشرعي الموجود في المسألة كما يرى المتابعون. واعتبر إعلاميون الشيخ البراك تناول من يرى جواز الاختلاط بلغة، جانبت الإقناع، مستعيضاً عنها بلغة الترهيب، في حين رأى الشرعيون أن هذه الطريقة لا تجدي في الزمن الحالي، وتؤثر في صورة السعودية خارجياً، وتكشف أن خطاب التشدد لم يزل حاضراً حتى وإن تراجعت قوته. من جانبه، رأى الكاتب الإعلامي شتيوي الغيثي أن فتوى الشيخ عبدالرحمن البراك تدل على إشكال في ذهنية الاختلاف، إذ تبدو غير واردة لدى أصحاب الخطاب الديني «المشيخي»، معتبراً إياه «الشيخ التقليدي الأكثر رفضاً لهذا الاختلاف». ولفت إلى أن من قالوا بالاختلاط هم شرعيون، ولم يتكلم فيها أناس من خارج المدرسة الشرعية. وتطرق في حديثه ل «الحياة» إلى أن «عدم قبول الاختلاف الفقهي يدل على إشكال موجود في التراث، ولا يرى أن المسألة تحمل الاختلاف، على رغم وجوده بكثرة»، مفيداً بأن نفي الاختلاف في المسائل الشرعية المختلف فيها، رؤية مؤصلة في التراث، وهي مدرسة ممتدة من التراث إلى الآن. ورأى أن التطرف خفّ صوته لكن لا يعني أنه انتهى «وهذه الفتوى عودة للأطروحات السابقة، إذ مرت بركود مرحلي، ثم ها نحن نعود إلى أجواء التكفير والتفسيق مجدداً، ولم نودع حتى الساعة خطاب التطرف». وذكر الباحث الشرعي منصور الهجلة أن هذه فتوى بلا شك «غلطة كبيرة للشيخ (...) لم يكن فيها دقيقاً»، وقال: «حتى ابن تيمية المعروف بأسلوب الاستتابة لا يأتي بفتواه بهذه الطريقة بل يقرر الإجماع والقطعية ثم يذكر الاستتابة». وأضاف: «يبدو أن الشيخ البراك يريد أن يقلّد أسلوب ابن تيمية لكن الشيخ أبعد النجعة، وهذا من أسباب عدم اعتداد علماء العصر به كفقيه، وإن كان المقربون منه يبالغون في الدفاع عنه لشهرته بالغيرة وتدينه الواضح وزهده، لكن ليس لعبقريته ودقته في العلوم العقدية والفقهية». وحول قول الشيخ البراك: «ومن استحل هذا الاختلاط - وإن أدى إلى هذه المحرمات - فهو مستحل لهذه المحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتداً، فيُعرَّف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله». وأفاد الهجلة بأن «هذا التسلسل غير منطقي ولا يقول به من يعرف الشريعة، فهذا كلام خطأ حتى عند من يرى حرمة الاختلاط». وتطرق إلى أن «هناك من يقول بتفريق الكفر والتكفير أو تكفير العمل دون العامل أو التكفير بعد إقامة الحجة أو ما إلى ذلك إعذاراً للشيخ، لكن كل هذا لا ينفع عند نصه على دلالة الالتزام والتي هي غير لازمة لا عقلاً ولا شرعاً ولا لغة». وزاد: «لو أراد الشيخ قول إن الاختلاط حرام وفيه شنائع كبيرة وفيه ما فيه، كان وسعه ذلك التحذير دون استخدام أسلوب الاستتابة والتكفير، الذي أصبح غير مجد كثيراً، بل أصبح يعود بالضرر»، لافتاً إلى أن أسلوب الترهيب ومحاولة هندسة فتوى ترهيب لا تنفع في هذا الزمن. من ناحيته، رأى الكاتب عبدالله بن بجاد أن فتاوى التكفير من حيث المبدأ مرفوضة، وذكر أن «مشكلة الشيخ البراك في انتقاله من تكفير الأفراد الذين يختلف معهم إلى تكفير الناس بالجملة» واعتبر بن بجاد في حديث إلى «الحياة» أن الشيخ البراك يكفر الناس على فعل السنة الشرعية والبشرية وهي «الاختلاط»، وذكر أن اختلاط الذكور بالنساء موجود في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ يصلون في مسجد واحد، وأضاف: «في حديث في البخاري أن النساء رأين عورة لقصر ثوب الإمام فقلن غطوا عنا سوءة قارئكم (الإمام)»، وهذا يدل على عدم وجود الحائل بين الرجال والنساء في المسجد، إذ اعتبرها «بدعة محدثة».واعتبر النساء كن يمارسن التمريض في الجهاد، وهذا يدل على اختلاط مباشر وواضح، وفيه الملامسة المباشرة لجراح المقاتلين والجراح في كل مكان. وقال: «في الصحيح كان الرجال والنساء يتوضأون من بركة واحدة (لا أدري قبل الحجاب أم بعده)». وتابع: «أعتقد أن الشيخ البراك لا يرى أن هناك اختلافاً في المسألة، ويرى أن وجهة نظره الشرعية هي الحاسمة، ويتعامل مع المختلفين معه على أنهم يخالفون الدين وليس يخالفونه، والمتتبع لفتاوى الشيخ البراك، يجده يكفر الناس زرافات ووحدانا». وأكد أن مسألة التكفير خطرة من الناحية الدينية، ومرفوضة من ناحية شرعية وتاريخية، وهناك نصوص شرعية ترفض التكفير، وطالب المفتين بأن «يراعوا الظروف السياسية التي تمرّ بها المملكة والعالم بأجمعه، إذ المملكة تخضع لنقد كبير حول التشدد الديني، هذه الفتاوى تسبب أزمة سياسية للمجتمع السعودي من ناحية صورته التي يأخذها العالم عبر هذه الفتاوى التي تؤيد ما يطرحه المتطرفون في العالم من أن المملكة تصدر الإرهاب». فيما أشار إلى جهود الديبلوماسيين والسياسيين في إثبات خلاف ذلك، متهماً هذه الفتاوى بأنها تؤدي إلى أمور عكسية». وتساءل لماذا هذه الفتاوى لا تصدر إلا من الشيخ البراك؟ لا أدري هل العلماء الآخرون الذين يؤازرون البراك أو يتجاوزونه يعتبرون ساكتين عن الحق أم أن العلماء الآخرين هم على الحق وهو مخطئ (وهو ما أعتقده). وشدد على أن السكوت عن مصدري هذه الفتاوى يجني على السعودية الكثير (سياسياً واقتصادياً). وقال: «نحن بحاجة إلى مشروع لمنع هذه الفتاوى وتجريمها قانونياً». وأكد على أننا بحاجة إلى ضبط الخطاب الديني. وكان وزير العدل الحالي محمد العيسى كتب مقالاً حول الاختلاط توصل فيه إلى أن «الاختلاط» مصطلح وافد ولا يُعرف في قاموس الشريعة الإسلامية، وبعده بفترة أجاز مدير «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» في منطقة مكةالمكرمة الشيخ أحمد الغامدي الاختلاط، باعتبار أنه «كان أمراً طبيعياً في حياة الأمة ومجتمعاتها.» واعتبر الغامدي أن الممانعين للاختلاط «يعيشونه واقعاً في بيوتهم، التي تمتلئ بالخدم من النساء اللواتي يخدمن فيها، وهي مليئة بالرجال الغرباء، وهذا من التناقض المذموم شرعاً»، واصفاً القائلين بتحريم الاختلاط بأنهم «قلة لم يتأملوا أدلة جوازه، وهم من المفتئتين على الشارع أو المبتدعين على الدين».