تبدي السلطات الإيرانية المختصة قلقها من تزايد نسبة الطلاق خلال السنوات القليلة الماضية، والتي أصبحت ظاهرة تنذر بخطر إجتماعي نظراً لتداعياتها علي الأوضاع الإجتماعية والأمنية والسياسية. لذا، تسعي إلي تطبيق برامج متعددة تحدّ من ظاهرة الطلاق، الذي بلغ نسبة قياسية العام الماضي هي 21 في المئة. كما تشير الأرقام إلى زيادة 6 في المئة خلال النصف الاول من هذا العام مقارنة بالفترة ذاتها من 2014. ويقول رئيس منظمة الرعاية الإجتماعية الرسمية أنوشيروان محسني أن العام 1996 شهد وجود 1,2 مليون عائلة ترعاها إمرأة، وإرتفع هذا العدد إلى 1,6 مليون عائلة بعد 10 سنوات أي بزيادة 38 في المئة. وتطوّر الأمر ليصبح 2,5 مليون عائلة في العام 2011 (زيادة 53 في المئة)، ما يؤشر إلي تزايد هذه النسب خلال السنوات الماضية. ويوضح محسني أن زيادة نسبة الطلاق يعني زيادة في «أطفال الطلاق»، وما يتبعه من أطفال عاملين في مهن مختلفة وأطفال الشوارع، وما ينجم عنه من مشكلات إجتماعية جمة. وتشير الأرقام الرسمية إلى حصول طلاق واحد من بين كل ثلاث زيجات في المدن الكبيرة لأسباب إقتصادية وإجتماعية. وتسجل في المدن الصغيرة نسبة مماثلة تقريباً لكن الأسباب تختلف عموماً. ونظراً لتديّن المجتمع الإيراني وطبيعته المحافظة وأهمية الأسرة والعائلة فيه، تشكّل إنعكاسات تزايد نسبة الطلاق سنوياً أهمية قصوي. وأحصت دائرة الأحوال المدنية في إيران 70323 حالة طلاق في النصف الأول من عام 2013 (منها 70 ألف حالة في الأرياف)، في مقابل 109390 عقد زواج. كما تظهر الأرقام إرتفاع نسبة الطلاق 9,4 في المئة خلال الأشهر الستة من العام الماضي، مسجلة 75623 حالة في مقابل 352424 حالة زواج. وأن الفئة العمرية 25 – 29 سنة هي الأكثر تعرّضاً في المدن الكبيرة والأرياف علي السواء، وتحصل غالباً خلال السنوات الخمس الأولي من الزواج. وأكد رئيس منظمة الأحوال المدنية محمد ناظمي أردكاني أن نسب حالات الطلاق تزداد في إيران في شكل ملحوظ، لافتاً إلي خطورة مثل هذه الظاهرة التي تتزامن مع إنخفاض معدّل حالات الزواج، معلناً أن إيران تشهد 800 ألف حالة زواج و160 ألف حالة طلاق، وهي نسب مربكة إجتماعياً قياساً إلى عدد سكان البلاد البالغ 78 مليون نسمة. وتتباين أسباب هذه الظاهرة عند السلطات والمهتمين بها، فقد عزاها بعضهم إلى الأوضاع الإقتصادية المكلفة التي يعاني منها الشباب، بينما قلّل آخرون من هذا العامل، وأرجعوا الأسباب إلي عوامل تتعلق بالإختلاف الطبقي وعدم تجانس أبناء المدن والأرياف، فضلاً عن التفاوت العلمي بين الزوجين. من جهتها، تعتبر أستاذة علم الإجتماع مريم توسكي أن العامل الإقتصادي يشكّل العامل الرئيس والأساس في حصول حالة الطلاق، لا سيما في ضوء إرتفاع نسب البطالة والتضخم. ويعزو المعاون الإجتماعي لجهاز الشرطة سعيد منتظر المهدي أسباب ظاهرة الطلاق بين الشباب إلي إنخفاض الإلتزام بالقيم الأخلاقية، الوحدانية، إنخفاض المودة، عدم التهيؤ للزواج، تراجع الإحساس بالمسؤولية، والتقليد الأعمي للثقافة المستوردة. في المقابل، تحدد أوساط أكاديمية خمسة عوامل تدفع ظاهرة الطلاق في إيران إلى «النمو»، وهي: عدم وجود معرفة كافية بين الزوج والزوجة قبل الإقتران، عدم وجود أمل بتغيير الجانبين للعيش المشترك، عدم وجود التفاهم اللازم، تدخّل الأقرباء في الحياة الخاصة للزوجين، في الوقت الذي يدرج إختصاصيون في العلوم الإجتماعية عوامل أخري منها الإدمان علي المخدرات، وتأثير وسائل التواصل الإجتماعي، وإنخفاض سيطرة الأهل علي ثقافة الأبناء، وزيادة تأثير الإنترنت، وضعف التمسّك بالعقائد الدينية. ويعتقد سعيد عيسي زادة أستاذ العلوم الإقتصادية في جامعة أبو علي سينا، إستناداً إلى الدراسة التي أعدها عن ظاهرة الطلاق خلال الأعوام 1996 – 2006 ، أن الأزمة الإقتصادية التي تسبب البطالة تؤثر إلي حد ما علي الأسر من الفئات العمرية الشابة، وتحديداً على الذين لم يحوزوا شهادات عالية. ومهما تكن الأسباب التي تقف وراء ظاهرة الطلاق في إيران، يبدو واضحاً وجود أزمة حقيقية في هذا المجتمع آخذة في الإزدياد في شكل ملحوظ، ما دفع بجهات حكومية وشخصيات دينية كثيرة إلى التفكير جدياً لمعالجتها، إن قبل الزواج أو بعده وتحديداً عند بروز الأسباب الكامنة وراء الإتجاه إلى الطلاق. ويتوقع إختصاصيون «إنفجاراً إجتماعياً» إن لم تعالج الأسباب. ومنع الجهاز القضائي طالبي الطلاق اللجوء إلى المحاكم المدنية قبل التوجّه إلى مكاتب الإستشارة والرعاية الإجتماعية التي أسسها لهذا الغرض، بغية حلّ المشكلات التي تعترض الزوجين. ولفتت مسؤولة هذه المكاتب بانيان قوام إلى أن من شأن القانون الجديد «تمتين أساسات العائلة والحدّ من النزاعات والطلاق ومحاولة خلق روح المصالحة». وتبرز مسألة إرتفاع المهور كظاهرة ملفته لدي العائلات في المدن الكبيرة، والتي تصبح في عدد غير قليل من حالات الطلاق وسيلة للإبتزاز المالي، ما دفع المحاكم المدنية إلى عدم الإعتراف بهذه المهور إلا في مستوي معيّن تحدده دوائرها.