ترتفع معدلات الطلاق في شكل كبير في عموم العراق، في ظاهرة يعزوها باحثون ومسؤولون إلى أسباب اقتصادية واجتماعية في ظل ثلاثة عقود من الحروب والصراعات. وبحسب بيانات مجلس القضاء الأعلى، سُجّلت 41536 حالة طلاق في البلاد خلال 2007، فيما ارتفع الرقم إلى 59515 في 2011، أي بزيادة قدرها نحو 18 ألف حالة. في المقابل، تراوحت الزيجات المسجلة خلال فترة الأعوام الخمسة ذاتها بين 217221 و330470 حالة، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 30 مليون نسمة بحسب وزارة التخطيط. ويعاني العراق، منذ الحرب مع إيران (1980-1988)، حالة عدم استقرار سياسي واقتصادي وأمني، ما يبدو أنه ينسحب على المجتمع الذي يعيش منذ تسع سنوات في ظل أعمال عنف يومية قتل فيها عشرات الآلاف. في موازاة ذلك، تشهد البلاد معدلات بطالة مرتفعة تبلغ 30 في المئة، بحسب أرقام غير رسمية، فيما تعاني الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه النظيفة، نقصاً كبيراً، في حين يعتبر العراق من أكثر البلاد معاناة على صعيد الفساد. وتعدّ محافظة الديوانية الجنوبية (مليون و200 ألف نسمة)، على رغم استقرارها الأمني مقارنة ببقية المحافظات، من المناطق التي تشهد معدلات طلاق مرتفعة، إذ بلغت 3150 حالة عام 2011، وفقاً لقاض رفض كشف اسمه. وتقول المحامية حكيمة عظيم إن «عشرات دعاوى الطلاق والتفريق تقام يومياً وفي شكل متواصل خلال الأعوام الأخيرة. هناك عوامل اقتصادية، خصوصاً البطالة، وأخرى اجتماعية مثل السعي وراء الزواج من امرأة ثانية ما يدفع الزوجة الأولى إلى طلب الطلاق». وسجلت محافظة ديالى التي تشهد توتراً أمنياً متواصلاً ويعيش فيها مليون ونصف المليون شخص، ارتفاعاً في حالات الطلاق، من نحو 940 حالة في 2007 إلى 1670 حالة في 2010. وأكد القاضي لطيف التميمي، من محكمة بعقوبة (60 كلم شمال بغداد)، أن «غالبية حالات الطلاق سببها الزواج المبكر والظروف الاقتصادية الصعبة». ويطالب الباحث الاجتماعي مصطفى إبراهيم، العامل منذ ثماني سنوات في محكمة الكرادة وسط بغداد، بأن تعالج الحكومة مشكلة البطالة وأزمة السكن للحدّ من تصاعد الطلاق، في إشارة إلى حاجة العراق إلى اكثر من مليوني وحدة سكنية، كما أعلنت وزارة الإسكان في تشرين الثاني (نوفمبر) 2010. وتحدث عن «حالة طلاق وقعت أخيراً بين زوجين في الستين من العمر، لعدم توافر سكن يجمعهما، بعدما طلب صاحب الشقة حيث يعيشان باستعادتها»، مؤكداً أن «لا مشكلة بينهما سوى السكن». وحمّلت مديرة قسم المرأة في وزارة حقوق الإنسان، رقية محمود، الجهات القضائية مسؤولية تزايد حالات الطلاق، منتقدةً «ضعف إجراءات المحاكم وعدم وجود باحثين اجتماعيين يعملون على الحد من حالات الزواج المبكر». وحذرت من «توجه البعض إلى رجال الدين لعقد الزواج خارج القضاء، لأن ذلك يتسبب بمشاكل اجتماعية خطيرة بينها عدم تسجيل الأطفال رسمياً». وعلى رغم الارتفاع الأخير لمعدلات الطلاق، فهي تبقى أقل مما كانت عليه خلال تسعينات القرن الماضي، أي في فترة الحصار إذ بلغ الطلاق آنذاك أعلى معدلاته خلال السنوات العشرين الماضية. ويشكل تصاعد الطلاق اليوم ظاهرة سلبية ثقيلة على المجتمع العراقي الذي بدأ يخطو خطواته الأولى للخروج من أزمات الحروب المتلاحقة والصراعات الطائفية، خصوصاً عقب الانسحاب العسكري الأميركي نهاية العام الماضي.