معظمهم أجانب ومن «جنسية معروفة».. والغريب سكوت «الأجهزة التنفيذية» وكأنها لا ترى أحداً منهم! الأحياء العشوائية أماكن آمنة يلجؤون إليها في حالة تشديد الخناق عليهم د.المضواح: لا يمكن أن تُصدق وجود هؤلاء بدون تنظيم.. أو «متنفعين» أسئلة المواطنين: متى نتحرك؟ ولماذا نتعاطف معهم؟ وعلى حساب من؟ الأحياء العشوائية أماكن آمنة يلجؤون إليها في حالة تشديد الخناق عليهم د.المضواح: لا يمكن أن تُصدق وجود هؤلاء بدون تنظيم.. أو «متنفعين» أينما تتحرك عيناك تجدهم أمامك، يلاحقونك كظلك في كل الاتجاهات الجغرافية، يفترشون الأرض تحت نافذة غرفتك، ويطرقون أبواب بيتك ويتوسلون إليك من وراء زجاج سيارتك ببعض الإشارات السريعة والمختصرة، والتي قد تشعرك بأنك أمام مأساة حقيقية سمعت بعضاً من تفاصيلها الوهمية قبل لحظات، وذلك عند توقفك أمام إشارة المرور، أو أثناء خروجك من المستشفى، أو عند مراجعتك لإحدى الدوائر الحكومية، فتقرر أحياناً المساعدة، فتدخل يديك إلى جيبك بحثاً عن باقي هللات أو ريالات، وقد تسأم وتشعر بالضجر وتقرر الابتعاد سريعاً عنهم، دون الالتفات إلى الوراء، رغم دعواتهم التي تلاحقك ببعض الأماني الوردية، كالحصول على زوجة جميلة أو فيلا فخمة وسيارة فارهة. هذا هو حال المتسولين وعالمهم الضبابي الصاخب بكل أساليب المراوغة والخداع وابتكار القصص المأساوية، إلى جانب اللجوء إلى التشوهات الجسدية، والتي يعتبرونها إحدى أهم أدوات ممارسة التسول، والتي قد تجلب لهم أحياناً أموالاً طائلة يخبئونها بين أثاثهم المتهالك داخل مساكنهم البعيدة والمهجورة، حرصاً عليها من الضياع في حال تعرضوا للقبض أو الترحيل خارج البلاد، ليتحول هذا الإرث المالي المعجون بحرارة الشمس وساعات الانتظار الطويلة ولحظات الخوف من المجهول، إلى أقاربهم أو أصدقائهم. كل الأرقام والمؤشرات تقر بأن معظم هؤلاء المتسولين أجانب، بل إن الغالبية منهم من جنسية واحدة ومعروفة، وهم إما متسللون، أو مخالفون لنظام الإقامة والعمل، والغريب أن هؤلاء المتسولين بمن فيهم هذه الجنسية "مسكوت عنهم"، وكأن أجهزة الدولة التنفيذية لا ترى منهم أحداً، وهم بالفعل "أزعجونا وأقلقوا أبو راحتنا" في كل مكان نذهب إليه، والسؤال: متى نتحرك؟، ولماذا نتعاطف معهم؟، وعلى حساب ماذا؟.. صيد ثمين مشاهد التسول واحدة، والمتسولون يتفوقون على بعضهم بحسب المهارة التي تستطيع هزيمة مقاومتنا أمامهم، فالأطفال الصغار يحملون بين أيديهم أنواعا عديدة من "العلك" الملون و"المناشف المزركشة"، يتجمعون أمام أبواب المراكز التجارية، وما أن يلمحوك تتجه إلى الدخول من إحدى البوابات، تجدهم تجمعوا حولك كصيد ثمين، يتوسلون إليك بشراء ما لديهم، وإذا رفضت طلبهم تجدهم يتحولون بسرعة البرق، من باعة متجولين إلى متسولين محترفين، يُمسكون بطرف ثوبك برفق، طالبين بعض الريالات لشراء قارورة ماء باردة أو كوب من الذرة الطازجة، أو وجبة عشاء سريعة، تسد أنين معدتهم الجائعة، أما الكبار من الرجال والنساء فيحولون قذف كرة التعاطف في ملعبك الإنساني، بحثاً عن رزمة ثمينة من الأوراق النقدية، تذهب لشراء أدوية لطفلة مريضة، أو لسداد إيجار البيت المتأخر، وربما لبعض الأعذار الإنسانية التي تتجدد كل لحظة، وأمام ذلك كله لا نملك إلا أن نصرخ وبصوت عالٍ، بأنهم أصبحوا يسببون لنا "الطفش" و"الزهق" و"الإحراج". دعاؤهم يسعدني يقول " عادل الخالدي" -طالب جامعي-: أحرص على الوقوف أمام الأطفال المتسولين في الأسواق الشعبية، ومساعدتهم بمبلغ مالي بسيط، أعتبره صدقة لوجه الله، حيث إن سماع دعائهم له بالتوفيق في جميع أمور حياته، سواء بالعروسة الغنية أو الوسيمة أو النجاح بامتياز في الجامعة ودوام الصحة والعافية للوالدين، أمر يبعث السرور داخله، مضيفاً: "أشعر أن هؤلاء الصغار مرغمون بالعمل في مهنة التسول بطلب من أهاليهم، الأمر الذي يؤدي إلى ضياع طفولتهم هباءً بين الأزقة وملاحقة الناس، إلى جانب تعريض حياتهم للخطر أثناء المرور بين الشوارع السريعة، كل ذلك من أجل توفير لقمة العيش لأهاليهم". في كل الأماكن ويؤكد الأستاذ "عبدالله السعيدي" أن المتسولين يسببون الإزعاج للجميع، بل ونجدهم في كل الأماكن دون استثناء، مما يعني زيادة أعدادهم، والتي تنذر بزيادة حدوث الجريمة، بالإضافة إلى سرعة اختبائهم عن الأنظار في مساكنهم الواقعة في الأحياء العشوائية، والتي قد يصعب من مهمة الوصول إليهم، مضيفاً: "أذكر متسولة تقذف رجال الشرطة ب"الكراتين" وبقايا الأطعمة الجافة؛ بهدف مقاومتهم، وتصرخ بصوت عالٍ على رفيقاتها ليتمكنوا من الهرب، قبل أن يصبحوا في قبضة رجال الشرطة، في الوقت الذي كانت تحمل على يديها طفلها الرضيع، والذي كان يصرخ خوفاً من صوت الفوضى الدائرة حوله". المعلمون السبب وتلقي المعلمة "فاطمة المالكي" باللائمة على بعض المعلمين في المدارس، والذين يغرسون في الأطفال الصغار أهمية الصدقة لهؤلاء المتسولين من مصروفهم المدرسي، مشيرةً إلى أنها عندما منعت طفلها مناولة المتسول من خلال نافذة السيارة، قال لها: حرام يا ماما الأستاذ قال لازم نتصدق للفقراء. وتشاركها الرأي الأستاذة " نورة المالكي" والتي تقول إن طفلتها دوماً تجمع الريالات من أخواتها، وعندما نخرج إلى الأسواق الشعبية، تستأذنني من أجل أن تعطي إحدى المتسولات بعضا منها، وعندما أبدي إزعاجي من تصرفها تستغرب وتقول: لازم نتصدق للفقراء. الحج والعمرة ويقول الأستاذ " سالم المالكي": إن يوم الجمعة ونهاية كل شهر، إلى جانب موسمي الحج والعمرة، من المناسبات التي ينتهزها المتسولون، محدثين فيها إزدحامات كبيرة أمام أبواب المساجد وأجهزة الصراف الآلي، مرددين بعض الأدعية المؤثرة كأن يدعو للأطفال إذا كانوا معك، أو بالحصول على ثروة إذا ظهر كشف حسابك بالسالب على شاشة الصراف، معتبراً تعاون المواطن في الإبلاغ عنهم، واجبا وطنيا يجب عدم التخاذل فيه. أنواع المتسولين ويرى "د.مضواح المضواح" -الباحث في علم الجريمة والعقوبة-، أن التسول ظاهرة موجودة منذ القدم، لكنها كانت محصورة في المعاقين والعجزة، أما اليوم فقد باتت مشكلة اجتماعية، وخاصةً في مجتمعنا، مضيفاً أن المتسولين ينقسمون من حيث الجنسية إلى مواطنين وأجانب، ومن حيث السبب إلى متسولين معاقين عاجزين عن الكسب من خلال العمل، ومتسولين يريدون كسب المال دون عناء، ومتسولين رزقوا بكوارث دفعتهم إلى طلب العون من المجتمع بهذه الطريقة، بالإضافة إلى متسولين يتعرضون للإجبار والخداع من قبل عصابات التطرف والإرهاب لتمويل مخططاتهم، لافتاً إلى أنه يجب علينا ألا نستغرب وجود المتسولين من غير المواطنين، فهم قدموا إلى هذه البلاد لكي يكسبوا دون أن يفكروا في مسألة الحلال أو الحرام، مستغلين سذاجة بعض المواطنين والمقيمين. أجر الصدقة وأوضح "د.المضواح" أن هناك عدة أسباب تدفع بالناس إلى تقديم الأموال للمتسولين، لكنها في الغالب لا تخرج عن الرغبة في أجر الصدقة، في مجتمع يعلق معظم أفراده التوفيق في الدنيا والآخرة بالصدقة والإحسان، لكنهم يجهلون أو يتجاهلون الطرق المشروعة لوصول هذه الصدقات إلى مستحقيها تماماً، ذاكراً أن الأمر الغريب حقاً هو وجود متسولين مواطنين من القادرين على العمل وكسب رزقهم بالطرق المشروعة والمشرفة، ولا يمكنني في هذا المقام استعراض الأسباب ولا الأهداف، لكنني أود التأكيد على وجود أسباب موضوعية لدى البعض منهم، أهمها الجهل التام بطرق العمل في مجتمع استطاعت العمالة الوافدة فيه أن "تُفصل" سوق العمل على مقاسها، وأن تسيطر حتى على عمليات توزيع البضائع على "الدكاكين" والأسواق، بالإضافة إلى ممارسة كل الوسائل لمحاربة اليد العاملة الوطنية، في ظل حماية ودعم الكفلاء المتسترين نظير مبلغ مالي يأخذه شهرياً. مخاطر إجرامية وذكر "د.المضواح" أنه لم يعد أمام بعض الشباب من الجنسين سوى السرقة أو بيع المخدرات، أو التسول، أو العمل لحساب عامل أجنبي، شأنه شأن الكفيل الذي يتستر عليه، في ظل تثاقلٍ تام من قبل الجهات المعنية بمكافحة البطالة والتستر، مع أن الحلول موجودة لو خلصت النيات، لكن قوة أرباب العمالة السائبة كسرت العظام الهشة لهذه الجهات، فكان من النتائج المركبة لذلك انتشار ظاهرة التسول، واستفحال أمرها كمشكلة اجتماعية، لافتاً إلى أن للتسول عدة مخاطر، منها مخاطر إجرامية بالغة الضرر على أمن المجتمع، دون أن يدرك الكثيرون ذلك؛ فهذه المشكلة تنمي الحس الإجرامي، وتبني العلاقات المشبوهة المخلة بالآداب العامة، إلى جانب تمزيق النسيج الاجتماعي، ونشر الفساد بأنواعه المختلفة، وكذلك ترفع من وتيرة "التسيب" وفقدان الروابط الاجتماعية، وتستخدم تحصيل أموال عن طريق "التسكع" والاستجداء واستدرار عطف الناس. مجموعات منظمة وشرح "د.المضواح" آلية تحركات المتسولين ووسائلهم للإقناع فقال: إن نظرة عاقلة لهذه المشكلة سترى كيف أن الأطفال المتسولين وبعض النساء وكبار السن و"المحتالين" باصطناع حالات العجز البدني، يشكلون مجموعات تتشارك وتتداخل فيها عصابات، لا يمكن أن تكون غير منظمة، فمن الواضح أن هناك سلسلة حلقات من الوسطاء تجعلهم يندفعون وفق توزيع محكم في الشوارع الكبيرة والأزقة الضيقة، وأمام أبواب المساجد ومواقف السيارات، وفي الحدائق العامة والمقاهي والأسواق، بالإضافة إلى المحطات والطرق والمطاعم، وفي حافلات النقل وأمام أبواب الصيدليات وفي الملاعب الرياضية، وعلى أبواب المقابر، مضيفاً: "يستوقفك متسولون من مختلف الأجناس والفئات العمرية، كل منهم يختار طريقته في التسول، فبعضهم يلجأ إلى الدعاء وقراءة القرآن، والبعض يتخذ القصة المؤثرة وسيلة للكسب، في حين تلجأ فئة إلى إظهار أماكن إصابتها بمرض أو عاهة، أو ورقة شراء الأدوية التي عجزت عن توفير ثمنها، فيما تلجأ فئة أخرى إلى التسول بالكتابة، وذلك بتوزيع أوراق تحكي الوضع الاجتماعي الضعيف لاستعطاف الناس". مكافحة البطالة ووصف "د.المضواح" التسول بالمشكلة الاجتماعية الخطيرة، مرجعاً نسبة المواطنين فيها إلى البطالة وسيطرة العمالة الأجنبية على جانب كبير من اقتصاد البلد، وقال: إن مشكلة التسول والبطالة تستدعي الوقوف الحازم للحد من انتشارها وانعكاساتها، ولست أشك للحظة واحدة أن عدم اجتثاث هاتين المشكلتين لا يرتبط بانعدام الحلول، بل بعدم وجود الرغبة الأكيدة والخطط الصحيحة لدى بعض المشرفين والمنفذين لخطط المواجهة، فالبطالة تتطلب بالضرورة اليوم إنشاء هيئة وطنية لمكافحتها، ومكافحة التسول تتطلب أيضاً القضاء على البطالة التي اصطنعها أرباب التستر وعمالتهم السائبة، مقترحاً تفعيل مؤسسات التكافل الاجتماعي، وترحيل المتسولين الأجانب، فبلدانهم أولى بهم، ووطننا ليس ملجأً للفاشلين والمعاقين والعاطلين في بلدانهم، مشدداً على أهمية دور المؤسسات الحكومية والأهلية في رفع مستوى تأهيل الشباب، ليحققوا أفضل معدلات الإنتاج في العمل كماً وكيفاً، وليجدوا مصدر رزق شريف، حتى يساهموا في التنمية، مدللاً بالقول: "لا تعطني سمكة، بل علمني كيف أصطادها؟". صور من نماذج للتسول في محافظة الداير مع فيديو مرفق مركز تحميل الصور مركز تحميل الصور مركز تحميل الصور مركز تحميل الصور Dimofinf Player ***