الكتابة على أنواعها شعراً ونثراً وخطابة تختلف درجة جمالها ورقيّها الكتابيّ من نصٍ إلى نص فمنها ما يأتينا على طبقٍ من كمالٍ أدبيّ ومنها ما يجيء موشوماً بنقصٍ جماليّ أو بتكرارية..وفي بعض الأحيان قد يجيء النص كماءٍ مالحٍ لا طعم له ولا لون..وتعود كل هذه لعوامل كثيرة منها قصور المَلكة أو افتقاد النص للتهذيب أو افتقاد كاتبها لأدوات الإبداع التي تسوغ له تقديم نصه.. ومن العوامل ايضاً اختلاف الدافع الأول للكتابة فبعض النصوص تُكتب بناءً على رغبةٍ ذاتية تنطلق من الكاتب نفسه وتنبع من استجابته لدافع الكتابة الذي يرغم قلمه على نزف حبره ... وهنا نجد أن النص كلما جاء تفاعلاً مع واقع أو كردة فعلٍ لشعور.. كلما جاء صادقاً نازفاً عذباً فراتاً وكلما جاء أكمل وأجمل كالرياض في قصيدة طلال حمزة.. ذلك أن هناك علاقة طردية بين جمال النص وصدق دوافع كتابته.. أما تلك النصوص التي تجيء استجابةً لرغبة أشخاصٍ آخرين وتكليفاً منهم فقلما تكتمل روعتها.. أقول هذا في الوقت الذي أتأكد فيه بأن الكثير من الشعراء يكتبون بناءً على رغبات الصحفيين والإعلاميين.. فتجد أن الواحد منهم كلما لمس تأخر أحد الشعراء ممن تعوّد على أن يضع صورته في منتصف صفحته ظلّ وراءه يبحث عنه ليقرؤه السلام من جهه وليتوج حديثه بطلبٍ شعريّ من جهةٍ أخرى.. هذا وقد يتمادى في استغلال "الميانة" بينهما ليحدد نوع هذه الكتابة واتجاهها..فتراه مع الصيف يطالبه بقصيدة عن السياحة في المملكة وفي أيام العيد يطالبه بقصيده عن العيد وهلمّ جراً من أشكال الطلبات الشعريّة.. وهذه الطلبات الشعريّة طالما أنها قامت على أساس التحريض الكتابي الذي قد يحدد شكل هذه الكتابة فأظنها لن تأتي إلا وهي تفتقر لأركان الجمال.. ومثل هذا ايضاً يحدث في الكثير من المناسبات والاحتفالات والكرنفالات.. فالناظر مثلاً لمهرجان الجنادريّة يجد أن مسألة ترشيح شاعر لكتابة أوبريت الجنادرية تقوم على أساس التكليف وتوكيل المهمه لشخص بعينه..مع أن الأفضل والأسلم أن يُفتح المجال للجميع فيكتب من يكتب ويعزف من يعزف عن الكتابة.. لتقوم اللجنة بعد ذلك بتقييم الصادر إليها وترشيح أفضله.. هذا وتعتبر مسألة التكليف والتحريض الكتابي هي السبب الاول في قصور بعض الأعمال الكتابية إذ أنها لم تقم على قاعدة صحيحه ولم تنشأ من رغبة ذاتية خالصة.. ايضاً الناظر لنصوص الكثير من الشعراء يكتشف ببساطة اختلال القيمة الجمالية من نص إلى نص وسيلحظ الفرق واضحاً بين نص كُتب كردة فعل لمعايشة معينة لواقع معين وبين نص كُتب لمجاملة ابناء منطقة أقام فيها أمسية..أو نصاً كُتب من باب المساجلة مع شاعر آخر أو نص كُتب كتلبية لبطاقة دعوة وجهها مشرف صفحة شعبية..ومسألة مثل هذه لاتحتاج لمجهر إليكتروني بل هي كالشمس في وضح النهار..فقط تحتاج لأن نبعث لصاحبها بورقة "لفت نظر" ليتجنب هذه التلبية والتي تقوده لتشكيل وافتعال الإسقاطات الشعريّة..